كتاب "ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين"؛ ...وقد يحدث التغيير بالقوة نظراً لإيمان مجموعات به نتيجة معتقدات أفرادها وتصوّرهم أو بسبب حسن النية والحماسة المفرطة وعدم فقه المنهج التغييري، أو استدراج الاحتجاجات السلمية لعسكرتها لتبرير استخدام القوة.
قراءة كتاب ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بين الحكمين الجمهوري والملكي
إن معظم دول العالم العربي هي أنظمة حكم سلطوي غاشم «حكم جبري»، وتملك أسوأ السجلات حول حقوق الإنسان، وتملك خبرة مُمنهجة في فنون الترهيب أو في فنون التعذيب بتوزيع قسط الظلم على كل أفراد المجتمع، والمسؤولون فيها جميعاً من خريجي مدرسة الاستبداد والفساد..
وهذه الديكتاتوريات على أنواعها: من الملهم والزعيم الأوحد، وجلالة الملك والسلطان، والقائد الفذّ، وخادم الأمة وصانع التاريخ، وصاحب السمو والمعالي، وفخامة الرئيس، وولي النعمة، والمنقذ للأمة، والأمير المفتدى، تُمجّد الذات وتخشى الديمقراطية وتعمل وفق مناهج مستوردة لا تسمح لها بالتطور التكنولوجي. وصدق الشاعر في هذا الوصف:
ومما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتمد فيه معتضد.
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهرّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد.
فهي لا تحكم شعوبها بالسياسة، بل جُبلت كلها على حكم شعوبها بالقبضة الحديدية والغلظة والجفاء على كل ضمير حيّ وإسكات كل صوت حرّ ولجمه ولو كان طنين النحل، والقضاء على كل حركة ولو كان دبيب النمل، وتعالت على شعوبها بنمط تفكيرها البالي الضبابي.
فزعماؤها بعيدون عن نبض الشارع وهم فوق النقد وفوق القانون وفوق الدساتير ضاربين مصالح الشعوب عرض الحائط، وتواصوا بوحدة عمل مشتركة وتنسيق محكم ومثمر في وزارة الإعلام للتعتيم على قضايا الشعوب بعدم التدخل في شؤون أي بلد، وفي وزارة الداخلية بهدف كبت الحريات الشخصية بهراوات أمنهم، لذلك لم نسمع إدانة واحدة من هذه الأنظمة الفاشية لإدانة الجرائم الحاصلة في حق شعوبها[9]، واستنسخت التجارب الفاشلة من بعضها بتقديم الحلول الأمنية بدل الحوار والمصارحة والاعتراف بالخطأ، بل لم توظف هذا الاستبداد في مصلحة الوطن بالتقدم التكنولوجي كما في الصين وروسيا. وللأسف كان استبداداً في خدمة العدوّ الإسرائيلي والأمريكي والغرب، ولم تتصالح مع شعوبها ولو مرة واحدة، ولم تقدم تنازلاً واحداً لأنّ مصلحتهم في المقام الأول.
إن بقاء الأنظمة بهذه العقلية المشغولة باستعباد شعوبها هي المؤامرة الحقيقية، لأنها استقرار للتخلف والفقر والمرض وصناعة الموت، واستقرار لأمن إسرائيل. شعارات ما أنزل الله بها من سلطان، لا تتردد إلا في العالم العربي من هذه اللّوبيات من زبائن النظام وبطانة السوء التي تحيط بهم. وهي التي صنعت الأنظمة السلطوية بشعاراتها المنافقة. حكم مطلق لا يسأل عما يفعل «خطوط حمراء في السياسة والاقتصاد..»، وحالة طوارئ لم تجف منابعها؛ ففي سوريا أكثر من أربعة عقود، وفي مصر 30 سنة، وفي الجزائر 19 سنة.. والسؤال المطروح دون إجابة في ظل تلك الأوضاع: كم شخصاً اعتقل دون محاكمة؟ وكم شخصاً مات تحت التعذيب، وكم ثكلى؟ وكم شخصاً اختطف وهو لا في قائمة الموتى ولا في قائمة الأحياء، وكم معوقاً؟ وكم شخصاً استعمل لمهام قذرة تحت الضغط..؟ وأصبحوا يصدرون إلى الغرب تكنولوجيا التعذيب بعد تحالف الكثير معهم، وقد ألصقوا الإرهاب بالإسلام والمسلمين وخوّفوا الغرب بالحكم الإسلامي وهم في الحقيقة أعداء للديمقراطية بغطاء محاربة التطرف، وأحسنوا في توزيع الفقر والرعب والخوف في نفوس الشعوب، وازدهروا في الفساد والرشوة والتزوير في كل مفاصل السلطة.
قال أحمد مطر: «فربما الماء يروب، ربما الزيت يذوب، ربما يُحمل ماء في ثقوب، ربما الزاني يتوب، ربما شمس الضحى تطلع من صوب الغروب، ربما يبرأ شيطان، فيعفو عنه غفار الذنوب، إنما لا يبرأ الحكام، في كل بلاد العرب من ذنب الشعوب»[10].
قال شريفي: «مهما تحدثنا عن حب الحكام العرب للكراسي لن نوفيهم حقهم فالجماعة لا تزعجهم كل الدماء التي سالت والتي تسيل، ولا تحرك فيهم أي شعور بالذنب أو النخوة أو حتى الشعور بالكرامة، ورمي المشنقة والرحيل بعيداً عن هذه الشعوب التي لا تفوت أي فرصة لتؤكد لهم كرهها ومقتها لهم، ومع هذا فهم يعتقدون أنهم أصحاب فضل على الشعوب، مع أن حصائلهم طيلة عقود لم تجلب سوى الدمار والجهل والفقر والمذلة والانتكاسات!»[11].
أما الحكومات فإنها نسخة طبق الأصل عن الأنظمة الهرمة المترهلة الأمنية وهي تابعة لهم باستعراضها الولاء لهم في تحركاتهم وأعمالهم وخطاباتهم؛ فمعظمهم يجترّ خطابات الزعماء بلغة التهديد والوعيد لتنفيذ إرادتهم بمحاكاة أساليبهم التسلطية، لأنهم معينون يمثلون الأنظمة، فانتشرت ظاهرة الفساد في الإدارة والأوساط السياسية، وانتشرت فضائح المحسوبية والمنسوبية والرشوة والاختلاس وسرقة المال العام، بل الغموض وعدم الشفافية في المصاريف وصولاً إلى التحايل على البنوك باستغلال الثغرات القانونية لنهب أموال الأمة، فتُنفّذ القوانين بتعليمات فوقية بكل حسم وبفروق كبيرة وبأساليب وحشية بدائية «حكم الغاب» بفرض هيبتها على البسطاء والضعفاء.