كتاب "ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين"؛ ...وقد يحدث التغيير بالقوة نظراً لإيمان مجموعات به نتيجة معتقدات أفرادها وتصوّرهم أو بسبب حسن النية والحماسة المفرطة وعدم فقه المنهج التغييري، أو استدراج الاحتجاجات السلمية لعسكرتها لتبرير استخدام القوة.
قراءة كتاب ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وكان الشباب من صناع تلك الملحمة الثورية، والسبب المباشر في تلك الظاهرة العلنية «البوعزيزية» التي أفاضت الكأس فأحرق الشاب البوعزيزي نفسه وأحرق معه تلك الأنظمة المستبدة [14].
إن شعب تونس مسالم ووديع وكريم ومتجانس، لكن الديكتاتوريات التي حكمته عقوداً من الزمن حاولت طمس هويته كما فعل زين العابدين بتنحية الحجاب، فغيرَّ منظومة الأسرة نحو الانحلال والتفسخ وحصر عدد المصلين بالبطاقات المغناطيسية وكبّل المساجد بخطب مدونة وشمّع الزيتونة وفُرض الانتماء والارتباط العضوي بحزب السلطة بالتحكم في لقمة العيش، فضلاً عن الظلم والقمع والكبت على الحركات المعارضة من الإسلاميين والقوميين واليساريين، ونالت حركة النهضة القسط الكبير من القتل والاعتقالات والتعذيب الانفرادي ولم تكن له سياسة اقتصادية شاملة وواضحة ومقننة مما أدى إلى التمييز بين المناطق التي عانت الويلات والإحباط واليأس فكان الضحية الأولى الذي أشعل الشرارة في تونس من تلك المنطقة المحرومة. [حسب تقارير منظمة العمل الدولية أن معدل البطالة بين الشباب العربي بلغ أكثر بقليل من 23 في المائة عام 2010 م. وأضافت أن هذه النسبة ترتفع في أوساط النساء إلى أكثر من 30 في المائة وأن مشاركتهن في سوق العمل العربية هي الأضعف على مستوى العالم إلى ضعف معدلات النمو الاقتصادي. وانتقدت المنظمة الدولية دور النقابات العمالية. وبغض النظر عن مدى صحة التقرير فالواقع العربي المزري المعاين قد يقلل من مصداقية تلك الأرقام لعدم الشفافية بتبليغ الحقائق].
لم تهدأ الثورة التونسية العارمة أكثر من ثلاثة أسابيع بلا هوادة، في مسيرات حاشدة بالآلاف إلى أن صارت مئات الآلاف من لفيف القوم، وتعقدت الأوضاع وتسارعت وتيرة الأحداث وتصاعد سقف المطالب، وقوبلت بالقمع والرصاص المطاطي الحي.. وأراد النظام أن يخلط الأوراق بإخراج المساجين وقتل البعض ليزرع الرعب فازداد النهب والحرق والإجرام والقتل، فلم يفلح وصمدت الثورة، فخرج زين العابدين على الشاشة واعتذر لأهل البوعزيزي، وتعهّد بالإصلاحات ومحاسبة المفسدين، واعترف بأنه غرر به من طرف حاشيته، لكن تسارع الأحداث وتطورها جعل الأمور أكثر تعقيداً.. فجاء بالخطاب الثاني، وقدم نداء للأمن بعدم استخدام الرصاص الحي، وتأسف على القتلى واصفاً أن العنف ليس من سمات التونسيين وطبيعتهم وأحدث تغيرات شكلية.. وتم بعد خطابه فتح المواقع المحجوبة في تونس كاليوتيوب بعد 5 سنوات من الحجب كما تم تخفيض أسعار بعض المنتجات الغذائية تخفيضاً طفيفاً، لكن الانتفاضة توسعت وارتفع سقف المطالب، وازداد الوضع تعفناً، ووصلت الاحتجاجات إلى القصور الحكومية، وقال في الخطاب الأخير: الآن فهمتك، وفهمت الجميع، البطال والمحتاج والسياسي وفهمت الكل.. ثم لاذ بالفرار إلى أرض الحرمين. كان للثورة التونسية الشعبية أثر كبير ساحر في إطلاق شرارة الغضب الشعبي في العالم العربي.
وتصل شرارة الزيتونة من تونس الخضراء إلى الأزهر، أرض الكنانة «القاهرة» التي قهرت الأعداء. فالأولى أطلقت الشرارة من سيدي بوزيد في تونس والثانية من السويس في مصر. لكن، وإن اختلفت الوسائل فالهدف واحد «الحرية والعدل ومحاربة الفساد والظلم»؛ هبت موجة الجماهير الغاضبة عن بكرة أبيها من المسلمين والمسيحيين وكل شرائح المجتمع المدني من القضاة وعلماء الأزهر والمحامين والأساتذة الجامعيين لإعادة الذات والمطالبة بالعدل الاجتماعي ومحاربة الكبت والظلم والتهميش والاستخفاف بهم. واستلهمت الثورة الشعبية المصرية من مهد ثورة الأشقاء التونسيين في كيفية التحرك بين الكر والفر والدخول من أبواب متفرقة لتشتيت الأمن ومواجهة التعتيم الإعلامي والشائعات والدعايات، فنشرت شاشة كبيرة في ميدان التحرير لمتابعة أخبار الجزيرة التي كانت تنقل الحقائق، وخرج المصريون بأعداد مهولة مصرّين على تجسيد التغيير في اليوم الموعود «يوم الثلاثاء 25 يناير/كانون الثاني 2011 [15] .
وكان وائل غنيم[16] محركاً لها عبر الانترنت وخصوصاً بعد خطاب حسني مبارك الذي أقال فيه الحكومة، فتمّ تعيين نائب له، وقوبل ذلك بالرفض التام، فبدأت وحدات الجيش تنزل إلى الشوارع لزرع الخوف وإطفاء لهيب النار المشتعلة. [عاد الوفد العسكري وقائد الأركان اللواء سامي عنان من أمريكا على خفض جناح السرعة].
كذلك فُرض حظر التجوال في المدن الكبرى الثلاث، القاهرة والإسكندرية وخصوصاً السويس المعروفة بماضيها الثوري، وضُرب ذلك القرار بعرض الحائط، لأن الخوف انتهى بسقوط الضحايا..وهذه طبيعة الثورات لا تهدأ بعد استعمال العنف، لأن القمع يولّد الحصانة.
لم يكن البعد الاجتماعي أساساً في الحراك الجماهيري[17] وإن كان ذلك عاملاً أصيلاً؛ فالطبقة المتوسطة هي التي حركت الشارع عن طريق الفيسبوك؛ لأن عالم الانترنت لا يوجد عند الطبقة التي هي تحت خط الفقر وهي الأكثرية في معظم البلدان العربية[18]، كما أنّ العامل النفسي الجريح تحت الكبت والتهميش والظلم والاستخفاف محور أساسي أيضاً في عملية الانفجار، وتسلط شرذمة على ثروات الشعوب بالسعي في الأرض فساداً ولا يجوز لأحد أن يتكلم في هذا الباب وهو عامل ثالث آخر مغذي للانفجار، ودرجت تلك الأنظمة على اتهام كل حراك معارض واعتباره غير وطني ورجعي، وتمّ وصف المحتجين بأنهم مثيرون للشغب تحرّكهم أيد خارجية، وربط كل تحرك شعبي بالمؤامرة والإمبريالية كما صرّح بذلك الرئيس المخلوع بن علي، وصرّح به عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع حسني مبارك باتهام الإخوان المسلمين بالعنف، ووجه القائد معمر القذافي أصابع اتهامه إلى القاعدة وبن لادن بعد اتهام الشباب بحبوب الهلوسة، والكلام نفسه يصرّح به علي صالح من اليمن بقوله عن الاحتجاجات بأنها بفعل مخابرات إسرائيلية بإرادة أمريكية، وقال بشار الأسد موجّهاً الاتهام إلى الانتفاضات الشعبية بالاستعانة بالخارج بيد داخلية من بينهم الفلسطينيين؛ هذه المشاجب تعلّق عليها الأنظمة سوء تسيير إدارتها لشؤونها وتلفت الأنظار إلى مخاطر محدقة بالبلاد والعباد لتشوّه الانتفاضات والثورات وصدّها عن مطالبها الواضحة المشروعة التي تطـالب بالعدالة الاجتماعية ومحاربـة الفساد والمفسدين.. وبدأت عروش الأنظمة المستبدة تتزلزل تحت زحف الجماهير الغاضبة إلى اليمن والبحرين وليبيا[19].