كتاب "ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين"؛ ...وقد يحدث التغيير بالقوة نظراً لإيمان مجموعات به نتيجة معتقدات أفرادها وتصوّرهم أو بسبب حسن النية والحماسة المفرطة وعدم فقه المنهج التغييري، أو استدراج الاحتجاجات السلمية لعسكرتها لتبرير استخدام القوة.
قراءة كتاب ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وفشلت سياسة الحكومات في استثمار الموارد البشرية الشبابية بالبطالة، ولم تكن لها استراتيجية واضحة وجادة في التنمية، وفشلت في الجانب الثقافي بالغناء والرقص والمسلسلات الخليعة، وكذلك في الجانب الاجتماعي بالسرقة والتبذير، حتى في الرياضة كانت آخر الأمم، وفشلت في سياستها الخارجية بالخنوع والتخاذل والإتباع، ولم تقم هياكلها العوراء من المجالس النيابية أو مجالس الشيوخ أو مجالس الشورى أو مجالس الأمة بدورها المحصن لرقابة عمل الحكومات وأدائها بقوانين صارمة لمكافحة رموز الفساد.. بل أصبحوا غطاء للفساد وجزءاً من المشكلة باسم الشعب وباسم المجالس التشريعية، ولم نسمع في التاريخ أن الحكومات العربية اعتذرت لشعوبها ولو مرة واحدة ولم يحاكم مسؤول واحد على مدار تاريخ الاستقلال بسبب حجم الفساد الكبير الذي أخّر التطور والنمو.
وكانت هذه الأنظمة في الطليعة من حيث تسخير إمكانات الدولة لتحديث أمنهم الخاص المتنوع من الميليشيات والكتائب والمرتزقة على حساب الجيوش كقوة موازية، وتجهيزهم بأحدث الأسلحة الخفيفة والثقيلة وتكوينهم في مدارس سادتهم الخاصة، فيسخَّر لهم القسط الأكبر من ميزانية الدولة «الشعب» بالعملة الخاصة تحت مسمى حفظ الأمن وحفظ الوطن، ورغم ما يملكون من وسائل وقوة فهم يخافون من كل صيحة وتحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، يخافون حتى من دبيب النمل من انضمامه إلى الانتفاضات الشعبية العارمة، لذلك يتعاملون بالعنف منذ البداية مع التظاهرات السلمية لتبرير الضعف. ولو كانوا أقوياء لما تغوّلوا على شعوبهم وتعاملوا معهم بسلوك حضاري، ووجهوا آلياتهم العسكرية لتحرير الأراضي العربية المحتلة، بل حتى في الأيام العادية لا يتنقلون إلا في سيارات مصفحة ومدرعة محروسين بكوكب من الأمن الخاص بتكلفة مادية «مئات من الدولارات» [معظم حكام العرب يعيشون في حالة هستيريا من قناة الجزيرة وأغلقوا مكاتبها، ويخافون من قطر وكأنها إمبراطورية، فضعف إعلامهم وضعف دورهم جعل دولة قطر وكأنها تؤدي دوراً غير طبيعي أكبر من حجمها، وعلى قطر أن تدخل مستشفى الإنعاش وأن تغلق الجزيرة حتى لا تُزعج الدول العربية النائمة].
ومن الصعب الإطاحة أيضاً بالحكومات الفاسدة في البلدان العربية؛ لأنّ الحكومات والأنظمة وجهان لعملة واحدة وهم شركاء في منظومة الفساد والقمع، فهم يخافون من كشف المستور فيتشبثون بالكرسي إلى آخر رمق، ولا يتركون السلطة إلا بنزيف من الدم أو بالتدخل الأجنبي «ساداتهم» الذين يعرفونهم كما يعرفون أبناءهم ويهابونهم كما يهابون الموت أو أشد.
قال عبد الرحمن بن خلدون: «فإن المَلك إذا كان قاهراً، باطشاً بالعقوبات، منقّباً عن عورات الناس وتعداد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل، ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة فتخلّقوا بها، وفسدت بصائرهم وأخلاقهم؛ وربما خذلوه في مواطن الحروب والمدافعات، ففسدت الحماية بفساد النيات، وربما أجمعوا على قتله لذلك تفسد الدولة ويُخرب السياج، وإن دام أمره عليهم وقهره فسدت العَصبية..»[12].
وهذا لا يعني أننا بصدد تجريح الأنظمة السلطوية وإبراز عوراتها دون استثناء، أو أن حكام العرب كلهم شياطين وحْشيّون غير وطنيين، وأن كل ما فعلوه باطل وغير صحيح، أو أن الشعوب معصومة أو هم ملائكة مقرّبون وكلهم على حق، لكن هناك أقلية من الناس لديها حاسة سادسة، فهم عبيد لا يستطيعون العيش السعيد إلا في ظل الاستعباد والحكم بالعصا.
فهم غير جاهزين لتبني الديمقراطية، لأنهم لا يعرفونها حتى في أنفسهم لذلك لا يحترمونها ولا يحترمون أهلها ويبغونها عوجاً ويعارضون كل شيء ويرفضون كل شيء ويعبرون بهمجية، لأنهم شبّوا على الخنوع والذل من حُكم الاحتلال ثم حُكم العسكر إلى حكم الاستبداد، وبالتالي لا يحسنون الكر في ظل الحرية التي تُحرجهم وتكشف عوراتهم بإعادة الحقوق الى أهلها وإعادة الكرامة والعزّة للمواطن بعد التحرر من عبودية البشر، «فهم أشبه بالجرذان التي تعيش في القنوات القذرة لا تريد أن تتنفس الهواء النقي».
ثورتا «الياسمين» تونس و«الكرامة» مصر
اغترت الأنظمة بقوة وسائلها الأمنية المتنوعة وراهنت عليها ولم تكترث بمآسي الشعوب، ولم تأخذ العبر والدروس مما يجري حولها من تحولات ولم تقرأ التاريخ.. فتمادت في التصدي لإرادة الشعوب بالعنف للبقاء في السلطة، وسواء أكانت أسباب الثورة مباشرة أو غير مباشرة، وسواء أكان الاختلاف في آليات التغيير من بلد إلى آخر من حيث الخلفية بنوع الحكم أو التباين الهيكلي الاقتصادي وآثار العولمة أو الظروف المعيشية.. فالقاسم مشترك بين الأنظمة في العداوة للديمقراطية والانحلال السياسي والعبث بمقدرات الشعوب المادية بانعدام الشفافية في المداخيل والمصاريف والصفقات خلف الكواليس وإجهاض كل المشاريع الخاصة التي لا تنتمي إلى بيت الطاعة حتى من أهل الاختصاص والإطارات والكفاءات الفاعلة.
وفوق ذلك الحكم بحالات الطوارئ[13]، والاستئثار بالسلطة واستبعاد الوطني والإسلامي على السواء بالممارسات التعسفية والسلوك العدواني؛ وتواكب مع ذلك تفاقم الفساد وتراكم الرشى والمحاباة وتجميد النمو الاقتصادي وسوء التسيير بحرمان المناطق النائية مما أدى إلى الاستياء والسخط العام لدى شرائح مكونات كل المجتمع على تراكم تلك الأوضاع الفاسدة الظالمة القاسية التي لم تعد قابلة للاستمرار ولم تعد مقبولة مما دفع تلك الفعاليات والتكتلات، بل دفع الشعوب بتلك الروح الوثابة الثائرة الغاضبة التي تعشق الحرية والكرامة بتقديم النفس للشهادة وجراء ذلك، إنقلب الواقع البائس الجامد العربي إلى زلزال عنيف وتحوّل إلى حركات اهتزازية لم تخطر على بال أحد، ولم تكن في الحسبان حتى في تصوّر الغرب، وإذا بفئة من الشباب المتحضّرين الذين لم يكونوا تحت شبكة الاستخبارات الأمنية وكاميرات المراقبة، فقلبوا الأوضاع السياسية رأس على عقب بشكل مفاجئ وأطاحوا بأربعة أنظم سياسية عاتية في الأرض.