كتاب "السنة ومواجهة حملات التشكيك"، فقد شاء الله لنا في هذا العصر أن يكون موقفنا موقف الدفاع ، فقد أصبحنا نُغْزَى ولا نَغْزُو ، ونُهَاجَم ولا نُهَاجِم ، نُهاجَم في عقر دارنا ، ونُهاجَم من قومنا ، من قوم من بني جلدتنا ، ويتكلَّمون بألسنتنا ، وأصبح علينا بين
You are here
قراءة كتاب السنة ومواجهة حملات التشكيك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
واجبنا نحو السنة النبوية
لذلك كان لزامًا علينا أن نكشف عوار هؤلاء المزيِّفين المضلِّلين ، الذين يتعالمون وليس لهم من العلم في شيء ، مشكلة هؤلاء أنهم مغرورون ، عندهم قشور من العلم جمعوها من هنا وهناك ، ولبَّسوا على الناس ، وموَّهوا على العامة ، موَّهوا عليهم أنهم قُرَّاء مثقَّفون مطَّلعون . وفي الحقيقة أنهم ليسوا مطَّلعين ، إنهم حاطبو ليل ، إنهم يجمعون بين الغثِّ والسمين من هنا وهناك ، يردُّون البخاري ، ويأخذون من الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ! ما هذا العلم ؟ ما هذا العلم الذي ليس له خِطام ولا زمام ؟ إنه علم ليس له منهج ولا قاعدة ، يأخذ من المرويات ما يروق له وإن كان ضعيفًا في سنده ، ويردُّ ما لا يروق له وإن كان في أصحِّ الصحاح! كيف تحاكم هؤلاء الذين يهاجمون السنة ، ويهاجمون الأحاديث ؟
والسؤال : لماذا هذا كلُّه ؟ في الحقيقة أن السنة هي الإسلام المفصَّل ، هي المنهاج التفصيلي لحياة الإنسان المسلم ، وحياة الأسرة المسلمة ، وحياة المجتمع المسلم ، القرآن تضمَّن القواعد الكلية والمبادئ العامة . ولكن الذي تضمَّن الحياة الإسلامية ، منهاج الحياة الإسلامية هي السنة ، هي التي فصَّلت لنا الأحكام الإسلامية : الأحكام الشرعية ، الأحكام الخُلُقية ، أحكام الآداب والسلوك ، آداب الأكل والشرب ، والقيام والجلوس ، والنوم واليقظة ، والسفر والحضر .
رسمت السنة منهاج الحياة الإسلامية ، وبهذا المنهج يتميَّز المسلم عن غيره ، ويتميَّز المجتمع المسلم عن غيره ، ولهذا كانت نقمة هؤلاء على السنة أكثر من غيرها ، فإذا انهدمت السنة فماذا يبقى من الإسلام؟ حتى الصلاة لا نستطيع أن نصلي ، فالقرآن لم يأتِ لنا بتفصيل الصلوات ، لم يقل لنا : إنها خمس صلوات . ولم يقل لنا : إن الصبح ركعتان ، والظهر أربع ركعات ، والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء أربع ركعات . ولم يبيِّن لنا المواقيت ، ولم يبيِّن لنا ما نقول في كلِّ ركعة ، هذه الصلاة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم عرفناها من سـنـة النـبـي * ، فـقـد روى أبو نضرة قال : كنا عند عمران بن حصين n ، فكنا نتذاكر العلم . فقال رجل : لا تتحدَّثوا إلا بما في القرآن . فقال له عمران : إنك لأحمق ، أوجدتَ في القرآن صلُّوا الظهر أربع ركعات ، والعصر أربعا لا تجهر بالقراءة في شيء منها ، والمغرب ثلاثا تجهر بالقراءة فيالركعتين منها ، ولا تجهر بالقراءة في ركعة ، والعشاء أربع ركعات تجهر بالقراءة في ركعتين منها ، ولا تجهر بالقراءة في ركعتين ، والفجر ركعتين تجهر فيهما بالقراءة (5).
وكذلك الصيام ، وكذلك الزكاة ، وكذلك الحج ، وكذلك تفاصيل المعاملات ، وتفاصيل الحياة عرفنا كلَّ ذلك من السنة ، ولذلك إذا انهدمت السنة انهدم معها الإسلام ، هؤلاء أصبحوا الآن يوجِّهون حملاتهم إلى السنة يشكِّكون فـي ثبوتها ، حملات على السنة من حيث ثبوتها ، حملات على السنة من حيث حجيَّتها ، حملات على السنة من حيث دلالتها ومضمونها .
من حيث ثبوتها يشكِّكون فيها ، يقولون : اختلط فيه الصحيح بالضعيف ، والمقبول بالمردود ، والحسن بغير الحسن ، وقد وضع الوضَّاعون أحاديث ، فما عدنا نعرف هذا من ذاك . كأنهم يريدون أن يهيلوا التراب على تاريخ هـذه الأمة ، وتاريخ علمائها الذين تصدَّوْا للوضَّاعين وكشفوهم وغربلوا الأحاديث ، ووضعوا القواعد ، وأصَّلوا الأصول ، ولم يعُد هناك مجال أن يوجد حديث موضوع يدخل على علماء الأمة ، وينطوي عليهم ويقبلونه ويروونه في كتبهم على أنه من دين الله ومن شرع الله ، لم يعُد هذا ممكنًا ، علماء الأمة اشتغلوا في هذا واجتهدوا عليه . هم يقولون : إن السنة لا يوجد لها ما يدلُّ على ثبوتها .
ومن ناحية أخرى حتى لو ثبتت ليست حجَّة ؛ لأن النبي * كان بشرًا من البشر ، يقول ويفعل بطبيعته البشرية ، وبطبيعته العربية ، وبتجاربه وعاداته . وقد قال : =أنتم أعلم بأمر دنياكم(6) . وبعضهم يريد أن يهدم بهذا الحديث كلَّ ما جاء في شؤون الحياة وفي شؤون الآداب ، وفي شؤون المعاملات ، وفي شؤون الاقتصاد ؛ لأننا أعلم بشؤون دنيانا .
ويشككون في مضمون السنة في الآداب الـتـي تتضمَّنها السنة ، ما معنى أن يأتي حديث ويقول لك : كل باليمـيـن ولا تأكل بالشمال ، واشرب باليمين ولا تشرب بالشمال ، وادخل المسجد برجلك اليمنى واخرج منه برجلك اليسرى ، وإذا لبست النعل فالبس اليمنى أولا ، ما هذا الكلام؟ حتى مضمون السنة أصبحوا يشكِّكون فيه !