كتاب "السنة ومواجهة حملات التشكيك"، فقد شاء الله لنا في هذا العصر أن يكون موقفنا موقف الدفاع ، فقد أصبحنا نُغْزَى ولا نَغْزُو ، ونُهَاجَم ولا نُهَاجِم ، نُهاجَم في عقر دارنا ، ونُهاجَم من قومنا ، من قوم من بني جلدتنا ، ويتكلَّمون بألسنتنا ، وأصبح علينا بين
You are here
قراءة كتاب السنة ومواجهة حملات التشكيك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
جابر بن عبد الله ذهب إلى الشام شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا ليسمع حديثًا من عبد الله بن أنيس ، قال جابر بن عبد الله : بلغني عن رجل من أصحاب رسول الله * حديث سمعه من رسول الله * لم أسمعه منه . قال : فابتعتُ بعيرا فشددتُ عليه رحلي ، فسرتُ إليه شهرا حتى أتيتُ الشام ، فإذا هو عبد الله ابن أنيس الأنصاري قال : فأرسلتُ إليه جابرا على الباب .
قال : فرجع إليَّ الرسولُ فقال : جابر بن عبد الله؟ فقلتُ : نعم .
قال : فرجع الرسول إليه ، فخرج إليَّ فاعتنقني واعتنقته .
قال : قلتُ : حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله * في المظالم ، لم أسمعه ، فخشيتُ أن أموت أو تموتَ قبل أن أسمعه .
فقال : سمعتُ رسول الله * يقول : =يحشر الله العباد عراة غرلا بهما . . . الحديث(18).
ويخرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر وهو بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله * ، فلما قدم أتى منزل مسلمة ابن مخلد الأنصاري ، وهو أمير مصر ، فأخبر به فخرج إليه فعانقه ، وقال : ما جاء بك ، يا أبا أيوب؟
قال : حديث سمعتُه من رسول الله * ، لم يبقَ أحد سمعه غيري وغير عقبة ، فابعث مَن يدلُّني على منزله . قال : فبعث معه مَن يدلُّه على منزل عقبة ، فأخبر عقبة به ، فخرج إليه فعانقه ، وقال : ما جاء بك ، يا أبا أيوب؟
فقال : حديث سمعتُه من رسول الله * ، لم يبقَ أحد سمعه غيري وغيرك في ستر المؤمن . قال : نعم ، سمعتُ رسول الله * يقول : =مَن ستر مؤمنا في الدنيا على خربه ستره الله يوم القيامة.
فقال له أبو أيوب : صدقت . ثم انصرف أبو أيوب (19).
هكذا كان الصحابة ، والتابعون كذلك ، يقول سيد التابعين سعيد بن المسيب : إن كنتُ لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد(20)!
وحدَّث عامر الشعبي بحديث : =ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين . . . ، ثم قال الشعبي : =وأعطيتُكها بغير شيء ، وقد كان الرجل يرحل في أهون منها إلى المدينة(21) يريد أن يقول له : خذها عفوًا صفوًا بدون تعب ولا مشقة (خذها مجانًا) ، أما نحن فكنا نتعب فيما هو أقل منها ، ونقطع فيما دونها المفازات .
كلُّ هذا في سبيل الله ، ومن أجل طلب العلم .
انظروا إلى رحلات علماء الحديث كيف رحلوا ؟ الإمام أحمد بن حنبل ذهب إلى اليمن ولم يكن عنده مال ليكتري راحلة يركب عليها ، فكان يكري نفسه لأصحاب القوافل حتى وصل إلى اليمن وسمع من عبد الرَّزَّاق ، ولما رجع ظهر به شحوبا بمكة ، وقد تبيَّن عليه النصب والتعب ، فقيل له : لقد شققتَ على نفسك في خروجك إلى عبد الرزاق . فقال : هين فيما استفدنا من عبد الرزاق(22).
الأمة لم تكن أمة (مغفلة) ، الصالح المغفل لا يؤخذ منه الحديث ، لأنه من أصحاب الغفلة ، ممكن أن يضحك عليه أحد من الناس؛ فـيـدسُّ لـه حـديـث وهـو لا يـدري ، فكانـوا لا يأخذون إلا عن الوعاة .
هذا هو السبب الأول الذي جعل هؤلاء يطعنون في السنة ، ويشكِّكون فيها ، وهو الجهل : الجهل بالقرآن ، الجهل بالسنة ، والجهل بعلوم الحديث ، والجهل بتاريخ الحديث ورجاله ، والجهـل بتاريخ الأمة وعلمائها ، فهذا الجهل سبب من الأسباب .