You are here

قراءة كتاب كازانوفا في بولزانو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كازانوفا في بولزانو

كازانوفا في بولزانو

كتاب " كازانوفا في بولزانو " ، تأليف ساندور ماراي ترجمه إلى العربية إيمان حرزالله ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 3

أخبار

ناموا مضطربين، يشخرون ويلهثون وينفخون، يعلمون أن شيئاً ما يحدث لهم، ينتابهم إحساس بأن أحدهم يسير في أرجاء الفندق، يناديهم، وأن عليهم تلبية ندائه بطريقة لم يلبوا بها نداءً من قبل. كان ما يطلبه الضيف وقحاً وسفيهاً وعدوانياً، وقبل كل شيء مخيفاً وحزيناً. لكنهم عند استيقاظهم في الصباح التالي، كانوا قد نسوه تماماً.
انتشرت الأخبار سريعاً وهم نائمون: لقد وصل، لقد هرب من الليدز، استطاع أن يجذّف هارباً من موطنه في وضح النهار، حكّ أنفه بإبهامه لفخامة لوردات المحكمة التفتيشية المرعبين، احتال على لورنس قائد القوة العسكرية، وأطلق سراح القس المشلوح، استطاع بطريقة ما أن يسير بخطوات متمهّلة ويخرج من حصن الدوقات، شوهد في ميستر وهو يساوم سائق عربة البريد، وهو يرشف فيرمونت بمقهى بتريفيزو، وأقسم أحد الفلاحين أنه شاهده على الحدود يلقي تعويذة على أبقاره.
انتشرت الأخبار في قصور البندقية وحانات الضواحي حيث كان الكاردينالات، وفخامة أعضاء مجلس الشيوخ، ورجال المشانق، ورجال شرطة التحرّيات السرّية، والجواسيس، ومحتالو القمار، والعاشقون، والأزواج، وفتيات الأسواق، والنساء في سرائرهن الدافئة، لدى سماعها، يقهقون: «هوو هوو!»ـ أو يضحكون بملء أفواههم برضا بالغ «هااا هاا!»، أو يكتمون ضحكهم في وسائدهم أو مناديلهم «تيي هيي!». كانوا جميعاً سعداء لهروبه من السجن. في الصباح التالي وصلت الأخبار للبابا الذي تذكره وتذكر أنه رشحه من قبل لنيل مكافأة بابوية صغيرة. وهو الآخر لم يستطع منع نفسه من الضحك. انتشرت الأخبار في البندقية: استند الغناديليون على مجاديفهم الطويلة بسعادة وظلوا يدققون في كافة تفاصيل هروبه. كانوا سعداء لأنه من البندقية، لأنه أكثر مكراً من السلطات، ولأن ثمة من هو أقوى من الطاغية والأحجار والأغلال، أقوى حتى من الليدز. كانوا يتحدثون بهدوء ويبصقون في الماء ويفركون أيديهم برضا. كانت الأخبار تثلج صدر من يسمعها فيسأل: «وماذا كانت جريمته مع ذلك؟»، «كان يقامر، وبحق السماء، لعله لم يكن شريفاً تماماً، وبالطبع كانت له موائده في حانات وضيعة، وكان يلعب مع المقامرين المحترفين وهو يرتدي قناعاً! لكن تلك هي البندقية! من ذا الذي لا يفعل هذا؟... ونعم، تعامل بخشونة مع القليلين ممن خانوه، وأغوى نساء زرنه في شقته المستأجرة بمورانو، بعيداً قليلاً عن المدينة. ولكن بأي طريقة أخرى تقضي شبابك في البندقية؟ وبالطبع كان عربيداً، ولسانه فالتاً، ويتحدث كثيراً. لكن هل من أحد يسكت في البندقية؟..». هكذا كانوا يتمتمون، ومن حين لآخر يضحكون، لأن الأخبار كانت تحمل شيئاً ما طيباً، شيئاً ما يُطيِّب الخاطر ويشفي الصدر. إذ كانوا جميعاً يدركون أن لمحاكم التفتيش ناباً مغروساً في قطعة ما من لحمهم هم أنفسهم، وأن جزءاً منهم مسجون في الليدز بالفعل، وها قد أثبت أحدهم الآن أن باستطاعة الرجل أن يهزم الطاغية والسقف الرصاص والشرطة. أن يكون أقوى من القاضي ومن مبعوث المشنقة ومن نذير الشؤم. انتشرت الأخبار في قسم الشرطة: كان الضباط يخبطون الملفات على أسطح المكاتب، يذرعون المكان وهم يصيحون. استمع قضاة التحقيق للمتهمين بأذن متحرّقة وأرسلوهم بغضب إلى السجن أو إلى المنفى أو العمل في القراقير أو إلى المقصلة. تحدثوا عنه في الكنائس، ووعظوا ضده بعد السوق لأنه يجمع الخطايا السبع في جسد واحد لعين سيُسلق في مرجل خاص به، حسبما قال القس، ثم يُشوى في نار أُشعلت له خصيصاً في الجحيم، إلى الأبد. ذُكر اسمه أيضاً في سقيفة الاعتراف، ذكرته نساء برءوس مطأطأة ممن يخبطن على صدورهن بأيديهن وهن يتقبلن وصفة التوبة. كان الجميع سعداء لأن شيئاً ما جيداً قد حدث في البندقية، وفي كل قرى الجمهورية وبلداتها التي مرّ بها.
ناموا، وابتسموا وهم يحلمون. وحيثما ذهب، كانوا يزيدون حذرهم في إغلاق النوافذ والأبواب ليلاً. وخلف الأبواب المغلقة، كان الرجال يقضون أوقاتاً أطول في الحديث مع زوجاتهم. بدا الأمر كأن المشاعر التي باتت رماداً وجمرات أصبحت تبعث دخاناً وتنبجس منها ألسنة لهب. لم يُلقِ بتعاويذ على الأبقار، لكن رعاة الأبقار أقسموا أن العجول التي ولدت هذا العام كانت أجمل وأوفر عدداً. النسوة كن يستيقظن، يجلبن الماء من البئر في دلاء خشبية، يشعلن النار في مطابخهن، يسخّنّ طاسات اللبن، يضعن الفاكهة في صواني لامعة، يُرضعن أطفالهن، يُطعمن الرجال، يكنسن غرف النوم، يُغيّرن ملاءات السرير، ويبتسمن وهن يقمن بكل هذا. ابتسامة ظلت وقتاً لا بأس به قبل أن تختفي من البندقية وتيرول ولومباردي. انتشرت الابتسامة كعدوى متفشية لا ضرر منها، حتى عبرت الحدود، فسمعوا بها في ميونيخ وانتظروها وهم يبتسمون استعداداً لها. وفي باريس، حيث وصلت حكاية هروبه لمسامع الملك وهو يصطاد في متنزّه الغزلان، وابتسم هو الآخر. شوهدت الابتسامة في بارما أيضاً، وتروين، وفيينا، وموسكو. كانوا في كل مكان يبتسمون، بينما كان رجال الشرطة وقضاة التحقيق والقوات العسكرية والجواسيس ـ كل من يتعلق عمله بإبقاء الناس في قبضة الخوف من السلطات ـ يواصلون عملهم بريبة وكدر. لأنه لا شيء أخطر من رجل لا يخضع للطاغية.

Pages