تمهيـد

لقـد بات واضحاً اليوم أن الأحاسيس والمشاعر لديها وقع على صحتنا الجسديـة لكن ماذا عن العكس ؟ هـل للنشاط الجسدي وقع على صحتنا العقليـة ؟ هذا ما إعتقده أبقراط عندما نصح الإغريق المكتئبين بالخروج من المنـازل,التنـزه سيراً على الأقدام. ويشير العلم الحديث إلى أن ابقراط كان على الطريق الصحيح.
في الواقع، إن النهوض عن الأريكـة قد يكون له تأثيـر في بعض الناس تماما كما لعقار بروزاك المضاد للاكتئاب أو العلاج النفسي.
ويقول د. كارل كوتن، مدير معهد تقادم الدماغ وأمراض الجنون في جامعـة كاليفورنيا الأمريكيـة في إيرفن: بوسع التمارين الرياضيـة أن تحسن الأداء العقلي ومزاج أي كان إنها مجـانية ومسليـة ولا تستلزم الكثيـر من الوقت.
وعند استجواب الباحثين للأطفال أو الراشدين، تبين أن الأشخاص النشيطين أسعد من الذين يرتمون طوال ساعات على الأرائك، كما أنهم أقل عرضـة للاكتئاب والأمراض النفسيـة وتبيّن الدارسات اليوم أن للتمارين الرياضيـة آثاراً علاجيـة، فحين وصف العالم النفسي جميس بلونتال من جامعـة ديول لمرضى مكتئبين نظام علاج مؤلفا من تمارين رياضيـة بإشراف أخصائيين، تحسن 60 % بالمائـة منهم في غضون أربعة اشهر، وهي النسبـة ذاتها التي تحسنت بفضل الأدويـة المضادة للاكتئاب.
فيمـا 30 % من المرضى الذين يتناولون هذه الأدويـة عاودتهم حالـة الاكتئاب في غضون 10 أشهر، لم يكتئب مجدداً إلا 9 % من الذين مارسوا الرياضـة.
وقد وصلت الأبحاث حـول الأداء العقلي إلى نتائج مشابهـة، حيث لاحظ الباحثون أن المسنين الرياضيين يعانون الانحطاط الإدراكي بنسبـة أقل مقارنـة بالذي لا يقومون بتمارين رياضيـة.
كما تشيـر الدراسات الأخيـرة إلى أن تمارين الخفـة والحركـة تزيد من فطنتنا مهما كان عمرنا. وحين يبدأ قليلو الحركـة بممارسـة الرياضـة البدنيـة تصبح وظيفتهم التنفيذيـة أفضل – أي تنمو قدرتهم على التركيز على أمور مهمـة من دون أن يشرد ذهنهم - وفق ما يقول آرت كريمر وهو عالم أعصاب في جامعـة ايلينوي يستخدم التصدير بالرنين المغناطيسي لرؤيـة تأثير الرياضـة على الدماغ. كما أن التمارين الرياضيـة تعزز لديهم القدرة على الانتقال من عمل إلى آخر، وتقوي ذاكرتهم.
وتتراكم منافع التمارين بسرعـة لكنها تستلزم تعزيزاً مستمراً وفي دراسـة حديثـة، اختبر العالم النفسي شارلز إميري من جامعـة أوهايو قدرة متطوعين على إقصاء كلمات تبدأ بحرف معين.ثم أدخلهم ضمن برنامج تمارين رياضيـة بإشراف اختصاصيين طوال 10 أسابيع. وقد كشفت النتيجـة أنهم باتوا يجدون كلمات أكثـر. وبعد سنـة وجد أن الذي استمروا بممارسـة التمارين الرياضيـة قـد حافظوا على وظيفتهم الإدراكيـة المحسنـة.
وقد تؤمن التمارين الرياضيـة التي تشغل العقل والجسد منافع إضافيـة.ففي دراسـة نشرت في مجلـة نايتشر الدوريـة، أفاد باحثون ألمـان أن الناس الذين يمارسون لعبـة قذف الكرات في الهواء طـوال ثلاثـة أشهر يوسعون منطقـة في قشـرة المنح تقوي عمليـة الحركـة.
كيف تؤدي التمارين الرياضيـة مثل هذه النتائج ؟ إلى جانب تحسين الدورة الدمويـة، تحدث التمارين الرياضيـة مجموعـة من التغيرات الكمياويـة داخل الدماغ. فهي تعزز نشاط الناقلات العصبيـة المحسنّة للمزاج مثـل الدوبامين والسير وتونين، كما تزيد من إنتاج عامل تغذوي عصبي يفرزه الدماغ هو عنصر كيميائي يساعد الخلايا العصبيـة على التكاثـر وتشكيـل روابط جديدة. إضافـة إلى ذلك، فهو يحفـز على إفراز الأندورمنيات، وهي عناصر كيميائيـة تشبـه بتأثيراتها المورفين وتحد من الألم وتوفـر الاسترخاء.
وتظهر الدراسات أن مجرد 10 دقائق من التمارين الرياضيـة النشيطـة - لاتي تؤدي إلى خفقان قلب يترواح بين 100 و 120 ضربـة في الدقيقـة حسب العمر – قادرة على رفع معدلات الأندورفين طـوال ساعـة. ويقول د. جون مورلي، وهو استاذ الطب الداخلي وطب المسنين في جامعـة سن لويس:- " تشعـر بالتعب لكن مع إحساس بالعافيـة أيضاً". إنه تأثيـر المعدلات المرتفعـة من الأندورفيـن.
قد تكون التمارين الرياضيـة تمرينا منشطاً للذهن، لكن هذا لا يعني أن الإكثـار من الشيء هـو دائمـا أمر حسن. فقد يتعرض السباحون المحترفون ورياضيون يمارسون ألعابا تستوجب التحمل والمثابرة لحالات الأكتئاب والعصبيـة خلال فترات التدرب المكثف
بحسب جاك راغلن، وهو أستاذ علم الحركـة في جامعـة إنديانا. ويتحسّن مزاجهم حين يوقفون التمرين تدريجياً قبل مسابقـة كبرى. وتتطـور لدى 5 إلى 10 % بالمائـة منهم ما تعرف بـ " متلازمـة الخمول " وفي هذه الحالـة حتى إيقاف التمارين لا يخفف من الاكتئاب وإذا أردتم تجنب الإجهاد، يوصى الخبـراء بإجراء فحص الكلام بسهولـة خلال التمارين. عندئذ جل ما عليكم القلق بشأنه هـو ألا تصبحـوا مدمنين على الرياضـة. وغالباً، يصبح الرياضيون " مدمنين على هذه المعدلات الكيميائيـة في الدماغ ".
بحسب الدكتورة جوان مانسون من كليـة الطب في جامعـة هارفارد وبريفهام. ويعاني الكثـير منهم شعوراً بالانقطاع، يشبه ذاك الذي يشعر به من ينقطع عن المخدرات، حين يعجزون عن ممارسـة الرياضـة. ويؤكد إيد داني، مديـر طب الرياضـة للجنـة الأولمبيـة الأمريكيـة هذا الانطباع مشيرا إلى أن لاعبيـه يكونون " أشد عصبيـة من العادة حين لا يمارسون الرياضـة ".
لكن الإدمان ليس بعيب حين تكون العادة صحيحـة، وليس بالضروري أن تكون لاعبا أولمبيا للاستفادة منها، لـذا اختاروا رياضـة تحبونها ومارسوها بانتظام. ليس لديكم ما تخسرونه سوى أحزانكم وتجهمّكم وبعض الوزن الزائد.