You are here

قراءة كتاب الإعلام ليس تواصلا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإعلام ليس تواصلا

الإعلام ليس تواصلا

كتاب " الإعلام ليس تواصلا " ، تأليف دومينيك وولتون ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

2- من ثورة المعلومات إلى تقلبات الاتصالات

ربما قد تمّ قطف أفضل ثمار ثورة الإعلام والاتصالات في البداية حتى لو كان ذلك قد تطلب ثلاثة قرون من المعارك لأن كل شيء يتعقد مع تعميم الإعلام وتنوع المتلقين وحسهم النقدي، ثم العولمة. وعلى كل حال، كان التصور الرائج عن الإعلام حتى الآن تصوراً بسيطاً مقتصراً على رسالة في اتجاه واحد أكثر الأحيان، وتصوراً عن المتلقي قليل التعقيد في النهاية. وقد رافق ذلك نوع من السلسلة المستمرة مؤلفة من العنصرين، والاعتقاد بأن إعلاماً أغزر وأسرع من شأنه تحقيق تواصل أكبر. كان ذلك النموذج الكوني للتواصل، وهو يستوجب نوعاً من التحديث، بالرغم من، وبسبب، التقدم الصاعق الحاصل في تقنيات الاتصال خلال قرن من الزمن : تقنية الهاتف (1880)، الراديو (1900)، التلفاز (1930)، المعلوماتية (1940)، الشبكات (1980).

الجميع يحلم بالتفاهم، لكن سرعان ما تتكشف صعوبة ذلك حتى في سن الطفولة. مع التواصل فإن الآخر هو المسألة التي تظهر، وفي نهاية الأمر إنها المسألة الأكثر تعقيداً على مستوى التجربة الفردية والجماعية على حد سواء، بالرغم من كلية وجود التقنيات وكفاءاتها وحرية الأفراد. كان يفترض أن تسير كل الأمور على نحو أسرع، إلّا أنها أبطأ فأبطأ. يكفي تدليلاً على ذلك رؤية الوقت الذي نمضيه سعياً وراء التفاهم، بالرغم من مجموعة التقنيات التفاعلية والراقية الموضوعة تحت تصرفنا، ذلك أن شيطان الغيرية يتسلل إلى كل تبادلاتنا. و"الآخر" هو أنا وهو وهي وكل منا، وعدم التواصل أو الخلل فيه هو أفق التواصل. إنَّ الانقطاع المتكرر في التواصل بين الأجيال هو نوع من الاستعارة والتشبيه لانعدام التواصل بوجه عام. إنه انقلاب كامل بالنسبة للمخطط البياني schéma السياسي والثقافي الذي حكم الثورة المزدوجة في الإعلام والاتصالات منذ القرن السادس عشر. والقرية الكونية حقيقة تقنية غير أنها ليست اجتماعية ولا ثقافية ولا سياسية.

علاوة على ذلك، لم يكن بالإمكان اكتشاف حدود التواصل إلّا بعد انتصار الإعلام الذي يجد في الإنترنت رمزاً له اليوم؛ هو اكتشاف عدم التواصل الذي يوجب إعادة التفكير في التواصل جاعلاً منه أحد الرهانات السياسية الأساسية لبداية القرن الواحد والعشرين. فكيف السبيل إلى التعايش سلمياً في عالم يرى فيه الجميع كل شيء ويعلم بكل شيء وحيث الاختلافات أوضح وأقل قابلية للتفاوض؟ من هنا ضرورة التحول من فكرة التقاسم إلى فكرة التفاوض والتعايش، الأمر الذي يجعل الصلة بين التواصل والديمقراطية صلة أوضح بكثير. ما هي الديمقراطية بالفعل، إن لم تكن التفاوض والتعايش السلمي بين وجهات نظر غالباً ما تكون متصارعة؟ من أجل ذلك، لم يكن لمفهوم التواصل أن يفرض نفسه كمفهوم كبير إنساني النزعة وديمقراطي إلّا في أعقاب كل الثورات الهادفة إلى بسط حرية الأفراد والمساواة فيما بينهم.

نحن بعيدون عن التواصل المقتصر على "الكوم" (من com مختصر كلمة communication نجدها في عناوين التواصل الإلكتروني) ما هو الـ "كوم" (التواصل) ؟ إنها إرادة إثارة الرضى، والإغراء، والإقناع. شيء مشابه في النهاية للتواصل، مع الرغبة في أن ينجح ذلك هنا أيضاً، لأنَّ كلّاً منا يلجأ إليه يومياً، وفي كل المهن، وعلى جميع المستويات التراتبية والفئات العمرية. من هو هذا الذي يرفض أن يرضي؟ غير أن لا أحد يريد الإقرار بذلك، كما لو أن الحياة ليست سوى شأن عقلاني وجدّي خالٍ من الانفعالات. يا له من برنامج! غريبة هذه العملية المؤدية إلى الحط المستمر من قيمة "الكوم" التي نلهث جميعاً وراءها من غير الإقرار به، والتي يصعب علينا أن ننجح بها مثله مثل الاتصال. إن إدانة "الكوم" هي إذن أسهل من ملاحظة أنها تشكل الغرفة الخلفية للتواصل. إنها كبش الفداء الممتاز لمعارك التواصل التي خسرناها. هناك ثمة المزيد؛ يؤخذ على "الكوم" ويتمثل باستراتيجيات الإغراء والهيمنة. ولكن من منا لم يحاول في حياته هذا وذاك؟ نفاق رائع يسمح هنا أيضاً إخفاء كم هو صعب إغراء الآخر والهيمنة والتأثير عليه على الدوام...

من هنا الاهتمام والانبهار بالتقدم التقني. ثمة التباس أقل وعقلانية أكثر، أقلّه على هذا الصعيد، حتى لو لم يكن هناك على الطرف الآخر من الشبكات، والتقنيات، شبكات أخرى وإنما أيضاً أناس ومجتمعات. فمع التقنية كل شيء يميل إلى البساطة أما مع البشر والمجتمعات فكل شيء يميل إلى التعقيد. وفي الحقيقة فإن التواصل ينطوي على أبعاد ثلاثة يتمثل البعد الأوضح والأكثر إرضاءً بالتقنية، والأكثر تعقيداً، والأبطأ على فك رموزه وتوجيهه، يتمثل بالبعد الثقافي. أما الأكثر وعداً، مع تكاثر المبادلات والتقنيات فيتمثل بالبعد الاقتصادي.

يمكن القول، إذاً، إن آفاق التواصل هي: التقاسم والإقناع والإغراء والتأثير والتعايش وعدم التواصل. ولئن كانت النظم التقنية متصلة مع بعضها بعضاً، الآخر فإن البشر والمجتمعات نادراً ما هم على هذا النحو. لذلك فإن التقدم التقني هو أفضل وأسوء ما في التواصل في آن. لقد سمح بالخروج من التواصل المغلق ومضاعفة الرسائل والمبادلات، غير أنه لم يزد التواصل زيادة طردية مع كفاءة الأدوات، بل جعل مصائب عدم التواصل أجلى. يا له من انقلاب رهيب يُرفض إدراك تأثيره لكثرة ما أصبح العالم، على سبيل المثال، منذ عشرين عاماً يسلِّم تسليماً أعمى بأسطورة الإنترنت، مقتنعاً بأن تحول 6.5 مليار إنسان إلى استخدام الإنترنت قد يفضي إلى تواصل "أصيل"...

إنَّ التواصل في شكله المعاصر هو نتاج ثورة ثلاثية، في مجال الحريات الإنسانية والنماذج الديمقراطية وتقدم التقنيات، ونحن على مفترق طرق. ثمة إيديولوجيتان أخريان تتهددان التواصل تتمثلان بالنزعة الفردية، أي تقلص التواصل إلى حدود التعبير والتفاعل، والنزعة الجماعية (الطائفية) أي تهميش مسألة الغيرية، مع إمكانية الانغلاق ضمن فضاءات افتراضية أو احتمالية غير ملموسة.

Pages