You are here

قراءة كتاب الإعلام ليس تواصلا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإعلام ليس تواصلا

الإعلام ليس تواصلا

كتاب " الإعلام ليس تواصلا " ، تأليف دومينيك وولتون ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

3 - التواصل يعني التعايش

تنبع الصعوبة أيضاً من أن لكل من الإعلام والتواصل وجهين أو بُعدين متناقضين تقريباً، وإنما لا ينفصلان. الأول معياري يردّ، فيما يخص الإعلام، إلى فكرة الحقيقة؛ أما بالنسبة إلى التواصل فيردّ إلى فكرة التقاسم. أما البعد الثاني، فله طابع أداتي مرتبط بواقع أنه من غير الممكن في المجتمعات المعاصرة، الشديدة التعقيد في النهاية، العيش من دون معلومات/أخبار ومبادلات وتفاعلات. إذاً، إن إعادة التفكير في العلاقات بين الإعلام والتواصل يعني تناول المفهومين بمعنييهما السالفين، بلا تمييز، لأن البعد المعياري لكل منهما هو الأفق في كل الأحوال: أي الحقيقة بالنسبة إلى الإعلام والتقاسم بالنسبة إلى التواصل. بتعبير آخر، إبتداءً من الإعلام الأكثر خفة إلى التواصل بأكثر أشكاله تجارة يبقى الأفق في النهاية هو هو: البحث عن الآخر وعن العلاقة، مما يشهد على أن الأفراد لا ينسون أبداً مثل التفاهم فيما بينهم التي تبقى راسخة فيما يتعدى الوصفات أو الصور المسخ (الكاريكاتور). وفي هذا السِّياق نجد أن إيديولوجيتي الإعلام والتواصل، بالرغم من كل عوراتهما وتشويهاتهما، تنبعان من المثال الديمقراطي ذاته. وسواء كنا مع "الكوم" أم مع "الإعلام الجمهوروي "Information people ، فإننا لا نزال في الإطار المرجعي نفسه. لذلك، لا بد من تناول الأبعاد الوظيفية والمعيارية للإعلام والتواصل على حد سواء. وهذا يتمثل بأربعة أبعاد متضافرة في تشكيل الرابط الاجتماعي.

ولهذا السبب، أيضاً، فإن الإعلام والتواصل، فيما يتعدى التباساتهما، يشاركان في المسألة الكبرى لـ "المجتمع الجماهيري ذي النزعة الفردية" حيث كل واحد يبحث، بنحو متزامن، عن هاتين القيمتين المتناقضتين: الحرية الفردية، ومساواة الجميع. ما الذي يصنع رابطاً في المجتمعات المفتوحة حيث كل الاختلافات مباحة، ومطالب بها، ومؤكّد عليها على كل حال؟ كيف التوفيق بين الحرية والمساواة، وبين الفردية والهوية الجماعية؟ إن التواصل إشكالية من إشكاليات التعايش والرابط الاجتماعي، وينتمي إلى مجتمع يتصف بالحركة والتفاعل والسرعة والحرية والمساواة. إنني آمل أن تتمكن هذه النظرية المركّزة على التعايش من الإسهام في تجديد الشروط النظرية والعملية لهذا الرابط الاجتماعي للمجتمعات المفتوحة الشديدة الهشاشة والمعرضة لرياح العولمة العاتية المفتقدة إلى بوصلة. بالأمس كان الرابط الاجتماعي يحيل إلى العلاقات بين بنيتين اجتماعيتين وثقافيتين مستقرتين نسبياً، أما اليوم فيكاد الأمر أن يكون عكس ذلك، فكل شيء متفاعل. إن عمليات الإعلام والتواصل تسهم في هيكلة هذا الفضاء العمومي ذي الرابط الاجتماعي الأكثر حركية وهشاشة، عبر تفاعلات متعددة؛ ومن شأن إعادة تقييم مفهوم التعايش أن يساعد، بالتالي، على تجديد التفكير في طبيعة الرابط الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة حيث التفاعلات بين الأفرقاء أكثر عدداً وأشد تناقضاً.

إن تشجيع التعايش ضمن التواصل وأداء الفضاء العمومي لوظيفته، يعني إذاً التفكير أيضاً في ضرورة إدارة الاختلافات الملازمة لمجتمعاتنا والإبقاء على مبدأ الوحدة في آن، مع الإبقاء على التوجه الآيل إلى تجديد الخصائص المعاصرة للرابط الاجتماعي. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ما هو الرابط الاجتماعي إن لم يكن هذه الأعجوبة المتمثلة في إمكانية وجود ترابط فيما بين أفراد ومجموعات وجماعات وطبقات اجتماعية ضمن مجتمع ما، يحتوي، فضلاً عن ذلك، ما يفرقهم عن بعضهم بعضاً؟

خلاصة القول، إن التواصل والتعايش والرابط الاجتماعي مكونات للحداثة ولرؤية جديدة للزمكان. وإنَّ التواصل يعكس تماماً الطموحات المتناقضة لمجتمعاتنا المعاصرة حيث يتبنى المرء قيماً متناقضة في غالب الأحيان ألا وهي الحرية والمساواة، الانفتاح والهوية، العولمة والإقليمية، لذا فإن المفهوم المعياري للتعايش خير معبّر عن خصائص المجتمع المعاصر، باعتبار أن التعايش يشكل رمزاً لتوجه معياري هادف إلى التأليف بين قيم وأبعاد متناقضة.

بيد أن ثمة ما يضاف إلى ذلك؛ فالصلات المعقدة بين الإعلام والتواصل مترافقة أيضاً مع ازدواجية في المعنى.لأنَّ الإعلام (الخبر) يحيل في التقليد السياسي والفكري إلى ما يبرز فجأء ويُحدث قطيعة نوعاً ما. هذا صحيح بالنسبة إلى الصحافة، ولكنه صحيح أيضاً على مستوى أعمّ. فالخبر هو الحدث أو المعطى الذي يحدث اضطراباً في وضع مستتب سابق وهذا مصدر قوته. أما التواصل فيحيل إلى فكرة الرابط والتقاسم و"المشاركة". واليوم مع ظهور نظم المعلومات المعممة، ثمة انقلاب في المعنى جلي بخاصة مع ظهور الإنترنت. فالإعلام أو الخبر يصبح هو صانع الرابط، ضمن أفق مجتمع الإعلام، وهو المعنى المعاكس للإعلام - القطيعة. وعندما يكون كل شيء إشارة وتفاعلاً، فالإعلام هو الرباط. يكفي رؤية كيف أن الأجيال الجديدة قد جعلت من الإنترنت مصدر أخبارها ومعلوماتها المطلقين، وفي النهاية وسيلة تواصلها، وهي تمنحه، فضلاً عن ذلك، شرعية وثقة لا تشوبهما شائبة.

وبالعكس من ذلك فإننا نشهد التغيير نفسه في معنى كلمة تواصل. فقد بات اللفظ يدل في مستويات أقل على المعنى القديم لتقاسم قيم مشتركة مما يدل على فكرة التعايش المرتبطة بضرورة التواجد معاً لخطوط منطقية متباعدة. بالأمس كان التواصل اقتساماً وجمعاً وتوحيداً، أما اليوم فإنه يعني أكثر ما يعنيه تعايش الانقطاعات وإدارتها. إذاً فإن كلّ واحد من المفهومين، الإعلام والتواصل، يستولي على جزء من مرجعية الآخر. إن ثورة الإعلام والتواصل، بالمعنى الذي قصدت، تقلب إذاً كل العلاقات بين التواصل والثقافة والمعرفة، وتسهم في إعادة التفكير في شروط الرباط الاجتماعي المعاصر. لذلك فإن نظرية في الإعلام والتواصل لا تنفصل في الأخير عن رؤية للمجتمع إن لم نقل عن نظرية فيه، والتناقض الحاصل، اليوم، يتمثل في أنه لم يسبق قط أن جرى الحديث عن التواصل والتفاعل إلى درجة أريد معها أن يُصنع من التواصل نموذج لمجتمع، في وقت لم يسبق أن كان فيه، بصورة متزامنة، مثل هذا القدر من الجدران المادية بين الشعوب، ومن جدران عدم التفاهم بين الأغنياء والفقراء، الشيوخ والشباب، والمهاجرين وغيرهم، والمتخمين بالتكنولوجيات وأولئك المحرومين منها...

Pages