You are here

قراءة كتاب الإعلام ليس تواصلا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإعلام ليس تواصلا

الإعلام ليس تواصلا

كتاب " الإعلام ليس تواصلا " ، تأليف دومينيك وولتون ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

2- الإنترنت، بين الطوبيا والإيديولوجيا

لا بد قبل كل شيء من التمييز بين دور الإنترنت في الأنظمة الديكتاتورية ودوره في الأنظمة الديمقراطية. في الدكتاتوريات غالباً ما تجتمع وسائل الراديو والتلفزة والهاتف الجوال والإنترنت لتوفير أدوات لا غنى عنها لحرية الإعلام والنقد بيد المعارضين. ومن الجدير بالذكر في هذا الخصوص، أن النضال من أجل الحرية لم يبدأ، هنا أيضاً، مع ظهور الإنترنت وأن ثمة معارك لا تحصى خيضت من أجلها منذ مئة وخمسين عاماً، كذلك من المفيد التذكير بأن الأداة غير كافية لخلق الوظيفة. فلو لم يوجد، بداية، مناضلون في منظمة العفو الدولية وفي جميع المنظمات غير الحكومية والجمعيات ما كانت التقنية لتكون كافية لخلق الوعي النقدي والفعل السياسي. إن الإنترنت وسيلة مناسبة للعولمة شريطة عدم اعتبارها الوسيلة الوحيدة للمعارك من أجل الانعتاق، خصوصاً وأنَّ السلطات القمعية والاستبدادية تجيد هي أيضاً استخدامها من أجل زيادة حدة قمعها وتنظيم حملات التضليل والتشويه. باختصار، مهما بلغت قدرة الإنترنت كوسيلة لصالح الحريات، فإنها ليست عاجزة عن الحلول مكان التقنيات والإجراءات الأخرى وحسب، وإنما لا تخلو من بعض الالتباسات أيضاً، ولا بد من التنويه بدور الإنترنت الإيجابي بالنسبة إلى جاليات الانتشار في العالم. فهذه الجاليات تجد فيها وسيلة اتصال لا تضاهيها وسيلة لا سيما بالنسبة للمعلومات الصحافية والمعلومات الخدماتية. غير أن الإنترنت لا يلبي حاجة اللقاء فيما بيننا، لا بل بالعكس، إنه يزيد من تلك الحاجة. وكلما ازدادت إمكانية التبادل بسهولة تضاعفت الرغبة في المشاهدة الحيّة. ولحسن الحظ، نحن كيانات اجتماعية، ولسنا كيانات إعلامية، في كل الأحوال لا يتناول الحديث التالي دور الإنترنت في الدكتاتوريات وإنما في الديمقراطيات التعددية.

إن الإنترنت مثال صارخ على الإغراء الذي يحدثه هذا المزيج من الطوبيا والإيديولوجيا. ولقد سبق لي أن كرست كثيراً من الكتابات عن الإنترنت والرهانات عليه، (بخاصة كتاب ماذا بعد الإنترنت؟ 1999 Internet et après?- )، لكنني أريد هنا، فقط، تناول المسألة من جديد من وجهة نظر العلاقات بين الإعلام والتواصل. إن انتصار الإنترنت، ولا سيما في أوساط الشبيبة، هو أمر لا يمكن إنكاره، حتى لو كانت القطيعة الحقيقية تعني بالأخصّ الهاتف الجوال، أياً كان مدى اتساع خدماته، لأنه قبل كل شيء رمز التواصل الإنساني الثنائي، بواسطة الصوت. إن المساحة الخاصة الحقيقية تتمثّل بالهاتف الجوال حيث يمكن قول كل شيء لا سيما من الناحية العاطفية. وأكثر فأكثر يتراجع مرور أهم ما يحدث في الحياة الخاصة أو العامة عبر الإنترنت. بالأمس كان يعتبر استقبال مادة عبر البريد الإلكتروني امتيازاً، وشبه رمز للنفوذ أما اليوم فقد أصبح عبئاً حقيقياً، حيث الجميع يمضون أوقاتهم في إرسال رسائل إلكترونية ويمضون وقتاً هائلاً في "فتح بريدهم" والفرز والإجابة، كذلك أصبح توافر المعلومات والوصول إليها نوعاً من الاستبداد. فمن أجل القيام بالعمل، بصورة جادة، لا بد من الانقطاع عن هذه الوسيلة التقنية السهلة والبحث من جديد عن الوقت الكافي، إذ إن الحلم ينقلب أحياناً إلى كابوس، لا سيما أنه من المعروف أن أهم المعلومات والأخبار ذات الصلة بممارسة السلطة والقرارات لا تُبث أبداً عبر الإنترنت، وإنما عبر الهاتف أو شفاهة بين المعنيين. باختصار، فإن فتح مساحة مذهلة للإعلام التفاعلي بواسطة النت (شبكة الإنترنت) لا يبدّل شيئاً في العلاقة البالغة التعقيد التي يسيّر بها الأفراد العلاقات بين الإعلام-السلطة-السر-الإشاعة، ويهيمنون عليها ويؤثرون فيها. وهنا، أيضاً، لا تجدي الكفاءة التقنية نفعاً في تغيير علاقات الإنسان بالسلطة والإعلام. وفي كل الحالات ليس ثمة إنترنت وحسب، فهناك أيضاً، وبمقادير أعلى، الراديو والتلفزة. إن الأرقام تلزم من ناحية أخرى بنظرة نسبية إلى الأمور وإجراء شيء من المقارنة مع 5.4 مليار جهاز راديو، و5.3 مليار تلفاز، و5.2 مليار هاتف جوال، و8.1 مليار حاسوب.

Pages