You are here
قراءة كتاب التحولات التي أحدثها الإسلام في المجتمع الأفريقي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ب ـ الموقع الجغرافي:
تهتم هذه الدراسة بتأريخ أفريقيا جنوب الصحراء أو كما سميت ببلاد السودان التي يحدها من الشرق من البحر الأحمر، ويحدها المحيط الأطلسي من الغرب، كما يحدها من الشمال الصحراء الكبرى، ومن الجنوب الغابات الاستوائية ((الخراب مما يلي خط الاستواء)) ([15])، وبلاد السودان واسعة وكبيرة، إلا أنها ((قفرة في معظمها وليس لها اتصال بشيء من الممالك والعمارات إلا من وجه المغرب لصعوبة المسالك)) ([16])، وبقيت كذلك حتى القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي حيث اكتشفت عدة مسالك أخرى للوصول إليها من الشرق ومن الشمال([17])، ففي الفترة السابقة لم يكتب الجغرافيون العرب القدامى شيئاً مفصلاً عن أرض السودان فيما عدا الحديث عن منطقة الواحات، وبعض الشيء عن خطوط التجارة، حتى مجيء المؤرخ العربي البكري المتوفى سنة 487هـ/1094م، والذي تحدث عن بلاد السودان بشكل أوسع مركزاً على مدنه الكبيرة واتصال بعضها ببعض، والمسافات بينها([18]).
لقد تميزت الرقعة الجغرافية لأفريقيا جنوب الصحراء خلال مدة الدراسة بالتوسع، وذلك بفعل عوامل عَدة منها، تعَرف المؤرخين المسلمين عليها، ووصول التجار والمهاجرين العرب المسلمين إلى مدنها عاماً بعد آخر، وكذلك من خلال ظهور الدول والممالك الإسلامية في المنطقة، لذلك نجد أن من تعرض لتلك المنطقة من الكُتَاب لم يترك تحديداً واضحاً ودقيقاً للمنطقة ككُل، بل أقتصر كلامهم عن المناطق التي زاروها، أو سمعوا عنها فقط ([19])، على أن هذا لا يمنع من تأشير حدودها.
فإذا ما تمت العوُدة إلى العامل الأول وهو معرفة المؤرخين والجغرافيين المسلمين المنطقة معرفة تدريجية، فسنلحظ أن المدة المحصورة بين عصر الفزاري([20])، وأبن حوقل خالية من زيارات المنطقة باستثناء وصول أبن حوقل إلى مدينة أودغست لتسجيل ملاحظاته ومشاهداته([21])، أما الآخرون فقد كانوا يعتمدون في معلوماتهم عن المنطقة على المعلومات التي تصل إليهم من هناك، أو نقل الحكايات الأسطورية عنها والموروثة عن العصر القديم، ولهذا فقد أختلط الواقع بالخرافة وجاءت معلوماتهم غامضة ومضطربة، فضلاً عن حاجز الصحراء فقد ساهم البعد الجغرافي للمشرق الإسلامي عن المنطقة في تكثيف حالة الضبابية التي تكتنف المعلومات المتوفرة([22])، ومن الجدير بالذكر أن العديد من مناطق بلاد السودان ظلت مجهولة بالنسبة لمؤرخينا إلى مدة متأخرة حتى أن المؤرخ الوزان، أعترف بجهله ببعض المناطق، وذكر أنها تُقسم إلى عدة ممالك وأن بعضها مجهولاً بالنسبة لهم وتكون بعيدة عن مدى تجارتهم([23]).
كما أن من البديهي أن يكون هناك تفاوت في تحديد الموقع الجغرافي بين المؤرخين والجغرافيين، فكتابات أبن عبد الحكم مثلاً كانت تقتصر على المناطق الملاصقة للصحراء، وذكر الحملات الاستطلاعية الإسلامية عليها، وقد أشار إلى فتح القائد عقبة بن نافع الفهري لمدينة كوار([24])، سنة (46هـ / 666م)، وحملة عبيد الله بن أبي عبيدة إلى أرض السودان سنة (116هـ/734م)([25]). لذا جاءت معلومات ذلك المؤرخ عن موقع بلاد السودان مقتصرة على معلوماته عن المناطق التي وصلتها تلك الحملات. وكان الأمر مختلفاً عند المؤرخ اليعقوبي الذي تكلم بشكل أكثر تفصيلاً عن منطقة السودان الغربي ولاسيما دولة مالي([26])، واستمر الأمر عند بقية المؤرخين بعده من خلال الكلام عن موقع بلاد السودان بشكل مختصر، حتى تحديده بدقة من قبل الجغرافيين الواحد تلو الآخر.
فقد أشار أبن حوقل المتوفى سنة (367هـ/977م) إلى بلاد السودان بدقة من خلال وصف حدودها، ذاكراً: ((أن حداً لها ينتهي إلى البحر المحيط، وحد لها ينتهي إلى برية بينه وبين ارض المغرب، وحداً له ينتهي إلى برية بينه وبين ارض مصر على ظهر الواحات، وحداً له ينتهي إلى البرية التي لا تنبت ولا عمارة فيها لشدة الحر)) ([27]).ويبدو من خلال النص وضوح الرؤية بالنسبة لابن حوقل فيما يتعلق بالموقع الجغرافي. على الرغم من أنه لم يتوغل داخل المنطقة واكتفى بالوصول إلى مدينة أودغست ([28])، وبقية المدن الصحراوية القريبة من بلاد السودان.
ويـركـز الجـغرافي الـزهري على المـدن الـواقعة على حـدود بلاد السودان في تحـديـد الموقع الجـغرافي، فـيذكر: ((انه اكبر جـزء في معمور الأرض فـحده في
الشمال من ساحل البحر في المـغرب إلى بـلاد ازقي ([29])، إلى بـلاد المـرابطين إلى مـدينة وارقـلان ([30])، إلى صحراء المغرب إلى أول عمل مصر، وكذلك حده في الجنوب من مدينة ازقي في الشمال إلى خط الاستواء في الجنوب)) ([31]).
ويتضح من خلال وصف الجغرافي الزهري لموقع بلاد السودان الجغرافي، أن أولئك الجغرافيين قد تعاملوا مع مفهوم المكان بوصفه معطى مجرد، (تقسيم الأرض إلى أقاليم)، أو معطى جغرافي، ((رصد مواقع بلاد السودان ومدنها ومسالكها))، وأنهم يتكلمون بشكل عرضي عن القبائل السودانية التي تشغل المنطقة([32])، كما لم يختلف الجغرافي القزويني عن سابقيه في وضع حدود بلاد السودان - سوى في التسمية -، فجعل حًدها من الشمال بلاد المغاربة، ومن الجنوب إقليم المغرب ومصر، ومن الغرب المحيط الأطلسي، ومن الشرق بلاد الحبشة ([33])، إلا أن هذا التقسيم لا ينطبق والواقع إذ أن جنوب بلاد السودان تقع منطقة الغابات الاستوائية.
لقد تم تقسيم بلاد السودان إلى ثلاثة أقسام([34])، وهي الشرقي والغربي والأوسط حسب الموقع الجغرافي لكل منها، ومن الجدير بالذكر أن هذا التقسيم لم يكن معتمداً من قبل المؤرخين المسلمين، إذ تعاملوا مع المنطقة كوحدة متكاملة تحت اسم ـ بلاد السودان ـ، إلا أن ذلك لم يمنع من أنهم تحدثوا عن كل جزء منها ـ ولاسيما الجغرافيين منهم ـ بعد تقسيمها إلى أقاليم وأرباع، فحينما يتم الحديث عن السودان الشرقي والذي يشمل الحوض الأعلى والأوسط لنهر النيل وروافده جنوب بلاد النوبة ([35])، نلاحظ أن أحدهم قد جعل معظم مدنه في الربع الرابع الواقع جنوب بلاد المغرب ويقول عنه: ((وهو بلد السودان من الزنج والحبش والبجة والنوبة وفزان...)) ([36]). كما يجعل المؤرخ أبن خلدون المنطقة واقعة ضمن الإقليمين الأول والثاني، ويذكر أن سكانها ((هم الحبشة والزنج والسودان)) ([37]).