You are here
قراءة كتاب التحولات التي أحدثها الإسلام في المجتمع الأفريقي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أما المؤرخ اليعقوبي فقد قسم بلاد السودان إلى ممالك كان من بينها ممالك السودان الشرقي، ذاكراً أن أبناء كوش بن نوح لما عبروا نهر النيل اتجهوا يميناً نحو الشرق وكونوا النوبة والبجة والحبشة والزنج([38]).
وفي المدة التي سبقت ظهور الإسلام كانت جل معرفة العرب بالمنطقة تنصب على بلاد الحبشة وساحلها، فقد عرفها المسلمون منذ قرون عديدة وربطتهم بها صلات قوية كانت التجارة أساسها ([39]). وقد سًهل التقارب بين الساحل العربي والحبشة في التجاذب والاختلاط بين الطرفين، وقد تظافرت عوامل عديدة لقيام تلك الصلات منها قرب السواحل العربية من الساحل، إذ ((لا يزال الفارق بينهما يضيق حتى يرى في بعض جنباته الجانب الآخر)) ([40])، كما أن معرفة العرب بمواعيد هبوب الرياح الموسمية واتجاهاتها قد مكنتهم من تنظيم رحلاتهم إلى شرق أفريقيا، فضلاً عن معرفة العرب بالفلك والنجوم واستخدامها في تحديد الاتجاهات، مما مكًنهم من الاتصال بالمنطقة قبل غيرهم، فضلاً عن عوامل الطرد المناخية والتي أسهمت في هجرة الكثير من السكان إلى أفريقيا ([41]).
لقد كانت العلاقات بين السودان الشرقي والعرب قديمة جداً وممتده إلى عهد الفراعنة في مصر سنة (2470ق. م) في عهد (ساحورع) من الأسرة الفرعونية الخامسة، حين قام المصريون برحلة في البحر الأحمر وجلبوا خلالها الأخشاب والبخور من المنطقة([42])، واستمرت تلك العلاقات بين الطرفين، ثم امتدت لتشمل مناطق أخرى فوصل بعض السومريين والاكديين إلى المنطقة، إذ وجدت عملات نقدية سكت في بلاد الرافدين، وعُثر على بقايا برج قد تم بناؤه على طراز الزقورة([43]).
كما حدثت اتصالات أخرى مع السودان الشرقي تمثلت بهجرة العديد من أبناء شبه الجزيرة العربية ولاسيما من اليمن، إذ كان لدولة أوسان([44]) العربية مراكز تجارية على الساحل الشرقي تابعة لها سياسياً، حتى أن تسمية (ازانيا) التي أطلقت على الساحل كانت مشتقة من اسم أوسان([45]).
لقد هاجر اليمنيون والحضارمة إلى القرن الأفريقي واستقروا في الحبشة، وكانت قبيلة الأجاعز في مقدمة القبائل المهاجرة والتي استقرت في الأجزاء الجنوبية من مرتفعات إريتريا، ونشرت لغتها الجعزية بين سكان الهضبة، ثم تبعتها قبيلة حبشت اليمنية واستقرت جنوب مواطن قبيلة الاجاعز، لتأخذ المنطقة من تلك القبيلة أسمها ([46]).
كما أن استمرار توافد العرب إلى بلاد الحبشة قبل الإسلام قد أعاد ازدهار مملكة أكسوم ([47]) إذ وضعوا أساس الحضارة الحبشية، وغرسوا النواة التي ترعرعت منها تلك المملكة ([48]).
أما القسم الثاني من أقسام بلاد السودان فهو السودان الأوسط، والممتد من بحيرة تشاد في الشرق إلى ثنية نهر النيجر في الغرب ([49])، وأقدم ما نشأ في ذلك القسم من دول هو دولة كانم([50]) التي يعود الفضل في تأسيسها إلى الملوك الأوائل من الزغاوة([51])، ولاسيما الملك داجو (Dago) الذي أرخ لحكمه بحدود سنة 800م([52])، والذي كان يدعي أنه من نسل القائد العربي سيف بن ذي يزن([53]).
والقسم الثالث من بلاد السودان وهو الغربي الممتد من ثنية نهر النيجر في الشرق، حتى المحيط الأطلسي في الغرب ([54])، إذ يقع ضمن خط عرض 5-25 درجة شمالاً، وبين خطي طول 17 غرباً – 15 شرقاً ([55])، ولم يكن ذلك القسم مجهولاً لدى الجغرافيين والمؤرخين المسلمين، فقد ظهر بشكل واضح في القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي حينما ذكر الفلكي الفزاري بأنه توجد عبر الصحراء بلاد تسمى غانة " أرض الذهب " ([56]).
ويضم هذا القسم العديد من الممالك منها مملكة غانة التي ينتسب سكانها كما ذكر المسعودي إلى أولاد كوش بن نوح عليه السلام، وذلك بعد انقسامهم إلى فرقتين فكانت غانة من الفئة التي اتجهت غرباً([57])، وذكر القلقشندي أن غانة هي قاعدة إقليم صوصو، وموقعها خارج الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب([58])، وهناك مملكة أخرى في ذلك القسم وهي مملكة مالي، وقد تحدث عن ملكها المؤرخ أبن خلدون قائلاً: ((وملك مالي أعظم ملوك السودان لعهده مجاوراً لملكه بالمغرب على ماية مرحلة في القفر من ثغور ممالكه القبلية)) ([59])، ومملكة كاغو، أيضاً من ممالك السودان الغربي ([60]).ويبدو أن منطقة السودان الغربي كانت تُعرف بشكل ممالك وأقاليم كغيرها من أقسام بلاد السودان، وذلك لأن تقسيم المنطقة إلى ثلاثة أقسام كان مستحدثاً ولم يكُن يُعرف من قبل المؤرخين والجغرافيين المسلمين.