You are here

قراءة كتاب الخيل تموت واقفة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخيل تموت واقفة

الخيل تموت واقفة

كتاب " الخيل تموت واقفة " ، تأليف عبد القادر بن سالم ، والذي صدر عن منشو

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 2

1

يمر عليه ذاك الشريط أسود، ثقيلا، يسحقه حتّى النخاع، حتى لكأنّ شظايا بركان ملتهبة هزت دواخله.

لا يرغب في الذكرى، ولكنها تراوده، تخنقه حد الغرغرة، يعود من منفاه والطعنة التي تلقاها من سميرة، بعد طعنة عمه تدمي سويداه، ولولا أمه التي قطع وعدا على نفسه، بعد تلقيه خبر وفاتها المفاجئ، بأن يقف على قبرها قبل أن تجف سعفة النخيل، وإناء الماء اللذان وضعا على قبرها الطاهر، لما عاد إلى هذه البقعة كما كان يسميها.

تهادت مياه الواد تعانق سفح جبل المنقار، وأخذت تزحف شيئا فشيئا كأفعى نهمة تبحث عما تسكت به أمعاءها الباردة، تمتص الرمال بشره، وتأخذ بأعناق شجر الفرسيق، فتقذف بها إلى أعماق البطحاء، أما شجيرات القطف فقد غمرتها السيول، وأخذ الطمي يغطيها بشكل جنوني إلى أن اختفت تماما.

كان الواد في سنواته الأولى، وقبل أن يخنق جبروته سدّ جرف التربة، مخيفا حد الأساطير، فكان بمثابة الأسد الضاري الذي يأتي على كل شيء، صوته المدوي يبشر بقدومه من بعيد، ليعلن سلطته على الحي والميت.. واد قير، الذي أصبح جزءا من ذاكرة ذوي منيع، أضحى كذلك، هاجس الرهبة والرغبة في آن، لأنه مصدر رزق هؤلاء، وفي ذات الوقت قد يفاجئهم بأن يخطف منهم عزيزا، أو يحدث فاجعة. ولكن مع ذلك، فإن الفلاحين كانوا يربطون به مصيرهم، حين يهجم، كان يغمر الأرض، ولا يرضى بغير المرتفعات التي يتسلل إلى قممها كثعبان أعمى بديلا.. يحاصر الدور السكنية، فيسرع الناس إلى شراء حوائجهم خوفا على أنفسهم وعلى أبنائهم.. كان الواد في بداية قدومه مرهبا، بحيث يصعب التكهن بحدوده فقد كان يلامس الدور حتى ينتهيبحي الكاستور وبناية الحاج عيسى، فيصبح السوق الشعبـي هو الآخر في مواجهة هدير هذا القادم من الأطلس.

كانت المتعة تستمر أسابيع أو أياما، ثم سرعان ما تغور هذه المياه في جوف الأرض، نشعر نحن بالقنوط والكآبة، لأننا سنفتقد صورة البحر الذي قرأنا عنه فقط في كتب الجغرافيا، أو ما كان يحكي عنه المعلم زوزو، الذي لم يكن يحفظ من الأناشيد سوى نادي الرحيل بالفراق، هل بعده لقاء، وهو نشيد من المفترض أن يلقنه لتلامذته مع نهاية شهر ماي، إلا أن زوزو ولخلو وفاضه من أي زاد معرفي، فقد كان يستمر السنة كلها، وبدءا من شهر سبتمبر، في تجنيد التلاميذ المساكين في هز أركان القسم بهذا النشيد المأسوي، ولولا جهود معلمي القرآن ومعلمي الحساب لحدثت الكارثة مع زوزو الذي أكرمه تلامذته بهذا اللقب بعدما تلعثم وأخطأ في قراءة موضوع التلاوة: "زوزوة يصطاد السمك".

Pages