You are here

قراءة كتاب الخيل تموت واقفة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخيل تموت واقفة

الخيل تموت واقفة

كتاب " الخيل تموت واقفة " ، تأليف عبد القادر بن سالم ، والذي صدر عن منشو

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 5

كانت الأرض تفوح منها رائحة ندى مبللة بمياه تخمرت مع تربة طينية رخوة، سهلت مهمة المحراث الذي أضحى في يد الحاج منصور طيعا كقلم فقيه على لوحة ملساء.

يمر اليوم رائعا، وقد علا المكان دخان عانق السماء في هدوء، امتزجت رائحته بعبق الأرض، حيث النساء أسرعن إلى حرق ما يعترض الرجال من أشجار وأعشاب طفيلية كبقايا "عماية" أو "قطف" بعد أن ينصبن برقية الشاي على أثافي صلبة، تحتها جمر حي من طلح مصفّى، يعود إلى ارتشافه الرجال متى أحسوا بالتعب وهم يقلبون الأرض ويدسون في رحمها حبوب الخير. كان الحاج منصور معلقا بمحراثه الذي أضحى لامعا من شدة غوصه في الأرض، تحيط به هالة من الاطمئنان وكأنه شاب في العشرين خاصة حين يفسح الفرصة لبصره.. يمسح "الولجة" فينطلق خياله في التفكير في ما ستمده به ولأسرته من عطاء.

لم يكن يرضى بغير ثلاثة كؤوس"مشحرة" يكرم بها رأسه مع خبزة شعير قيري مرفوسة بتمر الحميرة ودهان حر، يلتهمها في ثوان، ثم يعود إلى المحراث وهو يدندن:

باسم الله بها ابدينا

والصلاة على نبينا

ارحيم ارحم والدينا

قولوا باسم الله.

تعاود امبارك الماصة الذكرى، وكأنه يعيش اللحظة، يقف أمامه قير كالطود، تتهاوى كل الأساطير، وتتجلى الحقيقة، قير يمثل له أحلام قرون، وزمنا لا يشيخ، هو في ذاكرته.. يختزل ألف سؤال وسؤال، هذا السهل المترامي الأطراف، الساكن في عمقه كما في عمق هذه الحدبان والوديان.

كان قصة رواها الأجداد، وامتص رحيقها صبيان القبيلة في ما بعد.

يصمت أحيانا، وقد يغيب كالذي يبحث عن سر ضيعه، وهو الذي ما فتئ يقنع جماعته بأن ذاكرته لا تزال ندية، وقد ينافس بها الشباب.

Pages