You are here

قراءة كتاب الخيل تموت واقفة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخيل تموت واقفة

الخيل تموت واقفة

كتاب " الخيل تموت واقفة " ، تأليف عبد القادر بن سالم ، والذي صدر عن منشو

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 3

إلاّ أن بركا من الماء ستبقى راكدة لشهر أو يزيد بفعل الحفر التي تركها صانعو الطوب المخصص لبناء الدور، فيلتجأ الصغار كما الكبار للسباحة فيها، خاصة حين يكون الموسم صيفا.. استبشر الحاج منصور وثلة من أقرانه بخبر (الحملة)، بعد أن سمعوا أن قير "جابها من القاف إلى القاف"، لأنه جاء مع موسم الحرث، كان هؤلاء يقضون أوقاتا جميلة بعد صلاة العصر بالسوق الشعبـي المتواجد بالقرب من مقهى القائد الطيب، الذي يمثل ذاكرة أخرى في تاريخ الثورة التحريرية بالمنطقة، السوق يمثل للجميع منبرا لتبادل الآراء والأفكار، عن التاريخ، وعن الأيام الخوالي، وعن السهل وخيراته. كنت وأنا صغير، أتابع هذه الأحاديث، حين أرافق الوالد، أستمتع بها رواية، ومواقف، ولأنها كانت تجمع بين الجد والهزل، فقد كنت أحرص على أن لا أتخلف عن مثل هذه الحلقات.

أذكر أن الجماعة كانت تفضل كبار السن من أجل الحديث، وكانوا هم يكتفون بالسماع، تتشعب الروايات إلى تواريخ خلت، كحروب القبائل في ما بينها، والصراع على الماء وهلم جرا.. ولا تزال القصة التي رواها "امعمر لدريسي" وهو شيخ قارب القرن آنذاك، تزلزل كياني، بحيث شدت عيناي إلى الراوي، ومسكت "بسلهام" والدي غير مصدق.. كان ذلك عام "القفل"، حين هاجرت ثلة من أقوياء القبيلة وفرسانها، في اتجاه الساحل من أجل الحصول على الرزق والمال، أو ما كان يسمى بالسعي، وقد لاقوا الأهوال والصعاب، وحاصرهم الجوع، فمات منهم من مات، وبقي البعض حيث كان الرجل منهم ينحر جمله ويشرب ما حفظته أمعاؤه من ماء حتى يحافظ على حياته.

كانت مغامرة، أعاد فصولها هؤلاء الرجال الذين كنت أرى فيهم النموذج للقوة والجلد.

كان عمي العربـي، وهو رجل متدين يملك حانوتا متواضعا بهذا السوق وكان طيبا، وصاحب نكتةما جعل متجره يقصده الناس أكثر من غيره، وكان يتيح للجماعة التجمهر بالقرب من جدار متجره، ويتبرع عليهم بمشروبات باردة دون مقابل.

وكان يحضر هذه الجلسات الحميمية التي يغلب عليها الاستئناس بالماضي، وذكر وقائع فحول شعراء القبيلة مع غيرهم من الغنانمة وأولاد جرير، الشيخ مسعود، وهو رجل قوي البنية مفتول العضلات، له عينان صادمتان، كان شاعرا فحلا يستحضر القصيدة في حينها، ويرتجل بحسب رغبة الحضور، فقد كانوا يطلبون منه قول شعر عن فلان أو فلان، وغالبا ما يكون تعريضا، أو استهزاء، فيلبـي، فتأتي القصيدة مسبوكة وكأنه
رسام.

تستمر جلسات هؤلاء الرجال بهذا السوق، يتذكرون أحوال البلاد والعباد، يعرفون في حينها من مات ومن مرض وحتى من طلق أو تزوج، وكانوا في ذات الوقت يمثلون الجماعة التي تصلح بين المتخاصمين، أوتواسي من وقع له مكروه.

Pages