You are here

قراءة كتاب خيانة المثقفين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خيانة المثقفين

خيانة المثقفين

كتاب "خيانة المثقفين ـ النصوص الأخيرة"، يضم نصوصاً غير معروفة، كتبها المفكر والأكاديمي الفلسطيني إدوارد سعيد (1935 ـ 2003م)، في السنوات الأخيرة من حياته، وفيها يناقش دور المثقف في مواجهة الإستبداد والقمع والإنحلال الفكري العربي.

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
من المناسب جدا الحديث عما كتبه حسين مروة في مؤلفه الكبير النزعات المادية في الفلسفة العربية-الإسلامية عن الاستشراق إذ تناول الموضوع بالتزامن مع إدوارد سعيد لكن بمنهجية مختلفة، فقد تبنى حسين مروة المنهج الماركسي وكشف طبيعة الاستشراق الغربي كرديف إيديولوجي للاستعمار وقسمه إلى ثلاثة أنواع: الأول تيار عنصري يمجد تفوق العرق الآري-الغربي على غيره وخصه بالعقل وتنازل للشرق بالقلب والروح، ومن ممثلي هذا التيار المستشرق النازي هنريش بكر وتلميذه في العالم العربي عبد الرحمن بدوي. يقر التيار الثاني بمركزية الفلسفة في الغرب وكان غطاء إيديولوجياً للامبريالية الغربية وسيطرتها على الشرق. ودعا هيغل وهو من أهم فلاسفة هذا التيار إلى حذف الفكر الشرقي من تاريخ الفلسفة. اقتصر اهتمام الاتجاه الثالث في الاستشراق على الجوانب المظلمة والغيبية مثل التصوف والدروشة. لكن مروة يتحدث عن بروز الاستشراق الماركسي الذي تبنى الأممية بدلاً من العنصرية، ومركزية العالم بدلاً من المركزية الأوروبية والتمسك بالعقلاني ضد الروحاني.
 
تزايدت الحملات العدائية الموجهة ضد العرب في الإعلام الأوروبي والأمريكي في الربع الأخير من القرن العشرين بسبب أن المنطقة أهم مصدر عالمي للطاقة، ولكون المنطقة بؤرة متأججة تهدد السلم العالمي بسبب الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وأهدافه التوسعية الدائمة. ولتبرير التدخل الغربي في شؤون المنطقة الداخلية بدأ الاستشراق الغربي بإعادة كافة صوره ونماذجه التي رسمها للعرب والمسلمين والتي تتجلى دونية وجهلاً وتعصباً وتخلفاً ورفضاً للآخر وإرهاباً، ما دفع إدوارد سعيد إلى التصدي لتلك الحملات المغرضة المسعورة ( لقد كان ما ينشر في الإعلام الأمريكي عن الشرق الأوسط بعد عام 1973 هو الذي دفعني إلى فكرة كتاب الاستشراق كما جاءت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1974 لتزيد تصميمي على ذلك.)
 
لقد أدرك سعيد وجود بعض المفكرين الغربيين الذين نظروا للشرق نظرة منصفة، وكان يستشهد دوماً بما كتبه غوته، و قال سعيد بأن (الغرب ليس أحادياً أو متماثلاً على الرغم من وجود نوع من التجانس الأوروبي الثقافي. لقد درستُ علاقة الاستشراق بالسلطة، وركزت على الاستشراق الانكليزي والفرنسي والأمريكي لعلاقاتها بالمنطقة.) ورأى بأن المشكلة تكمن في جهل المستشرقين الذين يكتبون عن العرب والإسلام دون أي تواصل مباشر مع الواقع الحقيقي، ومن دون أي معرفة باللغة العربية مثل الصحفية جوديث ميللر التي تكتب عن الإسلام منذ أكثر من عشرين سنة في نيويورك تايمز، وارنست غلنر الذي يعد نفسه حجة في هذا الموضوع.
 
ويلخص ادوارد سعيد هدفه ومنهجيته في بحوثه الاستشراقية باستخدام النقد الإنساني وتوفير فضاء أرحب للحوار البناء والتحليل الموضوعي والتفكير العميق بدلاً من الأحكام الاعتباطية المسبقة وعدم الاعتراف بالآخر والنظرات الفوقية والعرقية الفاشلة ( فكرتي في الاستشراق هي استخدام النقد الإنساني لتمهيد السبيل إلى مجالات جدية من الصراع وتقديم تسلسل أطول من التفكير والتحليل نستبدل به تلك النوبات القصيرة من الغضب الجدلي المانع للفكر الذي يحبسنا داخله. لقد سميت ما أحاول القيام به (الأنسنة)، كلمة استمر في استخدامها بعناد رغم الاستعباد المحتقر للمصطلح من قبل ناقدي ما بعد الحداثة؟ أقصد بالأنسنة قبل كل شيء كل المحاولات لكسر القيود الفكرية المطروقة عند بليك لكي نستطيع استخدام عقولنا تاريخيا ومنطقيا بغرض الفهم التأملي. إضافة إلى ذلك، تتعزز الأنسنة بشعورها التشاركي مع مفسرين آخرين وجمعيات أخرى وفترات: بكلام أوجز وبناء على ذلك لا يوجد ما يسمى بالإنساني المنعزل. حجتي أن التاريخ يصنعه رجال ونساء ويمكن تغييره وكتابته ثانية، لذلك فإن شرق(نا)، أصبح (لنا) نملكه ونديره. وأنا أكن كل الاحترام لقوى الشعوب ومواهبها تلك المنطقة لاستمرارها في نضالها من أجل رؤيتها لهويتها وما تريد أن تكون. لقد شُنت هجمات عدوانية كبيرة جدا ومتعمدة ضد المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة بسبب تخلفها ونقص الديمقراطية فيها وإلغاء حقوق النساء لكننا نسينا ببساطة أن مثل تلك الأفكار كالحداثة والتنوير والديمقراطية هي أفكار ليست بسيطة.)
 
ويشير إدوارد سعيد إلى القضايا التي يجب أن يبحث فيها الاستشرق ضمن سياق تاريخي وواقع اقتصادي واجتماعي، مثل قضايا النضال ضد الظلم والتمييز العنصري والاحتلال والدفاع عن المساواة والمشاركة والاعتراف المتبادل وتطبيق نفس المعايير الأخلاقية على الذات والآخر. لم يعد العالم جزراً متباعدة بل مكاناً واحداً يؤثر ويتأثر بكل ما يحدث فيه فيقول (هذا يعني أن كل ميدان مرتبط بغيره ولا يوجد شيء في عالمنا استمر في عزلته ونقائه بعيداً عن التأثير الخارجي. يجب أن نتكلم عن قضايا الظلم والعذاب ضمن سياق قائم في التاريخ والثقافة وفي واقع اقتصادي-اجتماعي. دورنا أن نوسع حقل النقاش. لقد أمضيت فترة طويلة من حياتي خلال ال35 سنة الماضية مدافعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، لكنني حاولت دائما أن أفعل ذلك مع الانتباه الكامل لحقيقة الشعب اليهودي وما عانى من اضطهاد وإبادة جماعية. الشيء الأسمى هو ذلك الصراع من أجل المساواة في فلسطين/إسرائيل الذي يجب أن يوجه إلى هدف إنساني، أي: التعايش وليس إلى مزيد من الاضطهاد والإنكار. ليس صدفة (1)، حين أشرت بأن الاستشراق ومعاداة السامية الحديثة لهما جذور مشتركة. لذلك هناك ضرورة أساسية بأن يوفر المثقفون المستقلون نماذج بديلة دائماً عن تلك النماذج المبسطة والضيقة المبنية على العداء المتبادل، والتي سادت زمناً طويلاً في الشرق الأوسط وغيره.)
 
كما فضح سعيد النهج العدواني للمحافظين الجدد الذي دمغ الإسلام بالإرهاب واعتبره العدو البديل عن الشيوعية وتبرير التدخلات الأمريكية وحروبها الصليبية الجديدة وإعادة تشكيل خريطة المنطقة بما يلائم استثمارات بوش ورامسفيلد ورايس وابتداع فكرة الحرب الاستباقية والأعداء المحتملين والكامنين. لقد حل هذا الفكر الهمجي بدلا من التأمل والحوار والبرهان العقلي المبني على فكر علماني (عند التكلم كأمريكي وعربي يجب أن اسأل القارئ بأن لا يستخف بالنظرة المبسطة للعالم التي رسمتها حفنة من نخب البنتاغون المدنية سياسةً للولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي، نظرة فيها إرهاب وحرب استباقية وتبديل أنظمة حكم - مدعومة بأكبر ميزانية عسكرية في التاريخ- هذه الأفكار الرئيسية التي تتداولها على الدوام وسائط الإعلام التي نصبت نفسها منتجة لما يسمى بالخبراء الذين يبررون الخط العام للحكومة. إن التأمل والحوار والجدال والبرهان العقلي والمبدأ الأخلاقي المبني على فكر دنيوي(علماني) الذي يجب أن تجعله الكائنات الإنسانية تاريخاً لها حلت محله الأفكار النظرية المجردة التي تمجد الفرادة الأمريكية أو الغربية وتشوه كل ما يتعلق بالسياق وتنظر إلى التيارات الأخرى باحتقار.

Pages