كتاب "خيانة المثقفين ـ النصوص الأخيرة"، يضم نصوصاً غير معروفة، كتبها المفكر والأكاديمي الفلسطيني إدوارد سعيد (1935 ـ 2003م)، في السنوات الأخيرة من حياته، وفيها يناقش دور المثقف في مواجهة الإستبداد والقمع والإنحلال الفكري العربي.
You are here
قراءة كتاب خيانة المثقفين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
![خيانة المثقفين خيانة المثقفين](https://files.ektab.com/php54/s3fs-public/styles/linked-image/public/book_cover/n28f.jpg?itok=HxjkcUdr)
خيانة المثقفين
الصفحة رقم: 5
دُعّمت هذه النظريات بعلم الاستشراق والاجتماع والانثربولوجيا والعلوم السياسية والثقافية والحضارية ورأت أن السبيل الوحيد إلى التطور يمر من خلال المنهجية الغربية وماديتها، وأعادت التأكيد على سلبية الشرق وعدم قدرته على الإبداع والتغيير، والإسلام في رأيها دين أصولي والمسلمين مجموعة من الغوغاء والرعاع والمتخلفين الرجعيين الذين يعشقون الحروب ويميلون إلى الدموية وإلغاء الآخر.
فضح سعيد في كتابه تغطية الإسلام النظرة الغربية للإسلام والتنميط الغربي السردي للمسلمين باعتماد النصوص الجاهزة التي تجذرت في عقول العديد من المفكرين والمستشرقين ورجال وسائل الإعلام الغربية ليفضح القراءة الغربية ، ويسلط الضوء على قضايا في غاية الأهمية تواجه مستقبل العرب والمسلمين في هذا الزمن. هذه الظاهرة أطلق عليها سعيد اسم النمطية السردية الهادفة إلى هزيمة الآخر معنوياً ونفسياً واغتيال شخصيته الأخلاقية. لقد ارتبط الإسلام بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي ترفض تقبل الديمقراطية والليبرالية والانفتاح ولهذا هي غير مرشحة لأن تكون مركزاً للإنجازات الثقافية والحضارية العظيمة. إن الإسلام في العقلية الغربية غير قابل للتطور أو التغيير، لأن روح الإسلام لا يمكن أن تلتقي مع روح وأخلاقيات النظام الرأسمالي القائم على المنافسة والتعددية والعقلانية، أما المجتمع الإسلامي فهو مجتمع مغلق مستبد غير عقلاني، تذوب فيه النوازع الفردية ويكون الصوت النهائي المسموع فيه للقيم المجتمعية المتخلفة التي تعلي من شأن الطاعة والقبيلة والعشيرة. حتى أن برنارد لويس، المستشرق المعروف ذهب إلى حد القول إن الإسلام لا يتطور وإن المسلمين خائفون من أي عملية تغيير أو تطور لأن المسلمين مثلهم مثل الشعوب الشرقية الأخرى التي وقعت تحت سيطرة الاستعمار، عاجزون عن قول الحقيقة و مواجهة الواقع، فهم مدمنون على الخرافات والأساطير والتاريخ الكاذب.
لم تتغير الصور التي ترسمها وسائط الإعلام للعربي منذ قرون، بل إنها تكرر مقولاتها، فمثلاً تجد ديفيد برايس الذي لا يعرف اللغة العربية ولا الحضارة العربية ولديه الوقاحة لاتهام الحضارة العربية بالعيب والعنف في كتابه الدائرة المغلقة أما برنارد لويس الذي تظاهر بالحيادية وبعده عن التسييس بينما هو في الحقيقة أداة مسخرة لصالح الحملات الصليبية الجديدة المناهضة للإسلام والعرب فقد رأى بأن العالم الإسلامي لم يهتم بحيازة المعرفة.
ثم هناك جيل من المستشرقين المؤدلجين مثل دانييل بايبس في كتابه على درب الله : الإسلام والسلطة السياسية، كتاب بعيد عن المعرفة ومكرس لخدمة مصالح الولايات المتحدة، فالإسلام عند بابيس (حكاية متقلبة و حركة سياسية تتدخل في شؤون الغرب وتقلقه وتحرّض على العصيان والتعصب في كل أنحاء العالم.) ويتجلى في تلك الكتب أهم موضوعات الاستشراق فالمسلمون (عاجزون عن تمثيل أنفسهم لذا يتوجب تمثيلهم من قبل آخرين يعرفون عن الإسلام أكثر مما يعرف الإسلام عن نفسه).
ظهرت في أواخر القرن العشرين مصطلحات جديدة مثل (الإرهاب) و(الخطر الأخضر) و(الإسلاموفبيا) ورُوِّجت في التيار الفكري السائد حتى أصبح الإسلام العدو الرئيسي للولايات المتحدة والغرب، وفي ظل غياب الفكر البديل سيطر هذا الوهم على عقول كثير من الغربيين. فنرى الأصوات التي تطالب بطرد المسلمين من الغرب والتحذير بأنهم يشكلون قنابل ديموغرافية هدفها تحويل المجتمعات الغربية إلى مجتمعات إسلامية. تارة يمنعون المآذن وأخرى يمنعون النقاب أو الحجاب ناهيك عن الغيتوات التي حشروا المسلمين فيها والتمييز الذي يعانونه في كل المجالات. لقد نسي الغرب بأنه سرق ونهب خيرات بلدان هذه الجماعات المهاجرة ويجب عليه تعويض القليل منها باحترام هذه الجماعات ومعاملتها بصورة إنسانية لائقة.
ويرى إدوارد سعيد بأن الولايات المتحدة هي البلاد الأكثر تديناً في العالم وتخترق إشارات الرب ورموزه الحياة الوطنية من العملة إلى الأبنية: بالرب نثق، بلاد الرب، بارك الله أميركا. كما أن قاعدة سلطة الرئيس بوش التي يصل تعدادها إلى ستين مليون هي من المتشددين المسيحيين الذين يعتقدون مثله بأنهم رأوا المسيح وأنهم يقومون بعمل الرب في أرض الرب. لقد استفحلت في الغرب الفكرة الخاطئة لنظرية فوكوياما عن نهاية التاريخ أو نظرية صامويل هنتينغتون عن صدام الحضارات، كلاهما زعماً خاطئاً بأن التاريخ الثقافي له حدود واضحة أو بدايات وأواسط ونهايات، في حين يمثل المجال الثقافي-السياسي مكان صراع حول الهوية وتحديد الذات.