أنت هنا

قراءة كتاب النظرية السياسية بين التجريد والممارسة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النظرية السياسية بين التجريد والممارسة

النظرية السياسية بين التجريد والممارسة

كتاب "النظرية السياسية بين التجريد والممارسة، للكاتب والمؤلف د.إبراهيم أبراش، كما يقول في مقدمته: "لا بد من الاعتراف بأن عملنا هذا هو محاولة لمقاربة موضوع النظرية السياسية، سواء على مستوى الجانب المفاهيمي أو على مستوى الممارسة في ظل عالم باتت تحكمه المصالح

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 2
جاء اعتماد مصطلح النظرية في العلوم السياسية بعد رحلة طويلة وشاقة وممانعات متعددة المصادر واجهت الفكر السياسي، حيث انتقل من فكر تهيمن عليه الأسطورة والفلسفة السياسية إلى فكر علمي يعتمد على مناهج البحث العلمي، وتعد النظريات السياسية العمود الفقري لعلم السياسة، فالنظرية السياسية هي ذلك الجزء العلمي والممنهج من الفكر السياسي الذي كان أفكاراً عائمة وغير مضبوطة قبل أن تصبح السياسة علماً قائماً بذاته. على الرغم من الاعتراف بالعلم السياسي وبالنظريات السياسية، إلا أن علماء السياسة ما زالوا يناضلون حتى يُعترف بهم كمرجعيات رئيسة في الحقل السياسي، وما زالوا في بلدان العالم الثالث على وجه التخصيص مهمشين ومستَبعَدين على مستوى الممارسة السياسية، حيث هواة السياسة وتجار السياسة ومستلبو السلطة من العسكر والمغامرين يحتكرون الحياة السياسية، هذا ناهيك عن الممانعة التي تجدها النظرية السياسية من الفكر الغيبي والأسطوري ومن تيارات دينية، ترفض أية مرجعية وضعية لتدبير أمور المجتمع بما فيها الشأن السياسي.
 
قد يتساءل البعض: أيهما أكثر دقة، مصطلح "نظرية سياسية" أو "نظريات سياسية"؟ وهو تساؤل مشروع خصوصاً عندما نرى مؤلفات تتناول موضوعات تحت مسمى (النظرية السياسية)، ومؤلفات أخرى تتناول الموضوعات نفسها تحت مسمى (النظريات السياسية). 
 
إن اختلاف التسمية في نظرنا وإن كان ليس بالأمر الذي يستحق كثير نقاش، إلا أنه في بعض الأحيان يحدث لُبساً، فاستعمال تسمية النظرية السياسية قد يوحي عند البعض وجود نظرية واحدة تستوعب مجمل الشأن السياسي، وقابلة للتطبيق في كل المجتمعات، كما أن تسمية نظرية سياسية يجعل الأمر وكأن المقصود به تاريخ الأفكار السياسية أو مجمل التنظيرات السياسية. أما اعتماد مصطلح النظريات السياسية فيوحي بوجود نظريات- بالمعنى الدقيق للكلمة نسبياً- متعددة كل منها يتناول جانباً من الظاهرة السياسية، فهناك نظرية حول الدولة، وأخرى حول الديمقراطية، وثالثة حول السلطة... الخ، وحيث إن مصطلح النظرية السياسية هو الذي شاع في مجال الدراسات الأكاديمية، فسنستعمل هذا المصطلح.
 
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه في محاولتنا هذه لإصدار مؤلف حول النظرية السياسية كنا مترددين ما بين التركيز على الجانب المفاهيمي من النظرية السياسية أو إعطاء الأولوية لمحتوى النظرية السياسية، أي الموضوعات التي تدرسها وتدخل في حقل اهتماماتها، أيضاً كنا مترددين ما بين الاهتمام بالجانب القيمي والأخلاقي من الشأن السياسي أو الاهتمام بواقع الممارسة السياسية. 
 
لا شك أن الطالب الجامعي الذي يدرس لأول مرة النظرية السياسية وربما لا يكون على معرفة كافية بالمقصود بالنظرية السياسية كمفهوم، يحتاج كماً كافياً من المعلومات النظرية والمفاهيم المجردة حول الموضوع، ولكن المفاهيم المجردة وحدها لا تكون كافية إن لم تُصاحب بأمثلة وتطبيقات وتحليل لموضوعات تُقَربُ الطالب من فهم المقصود بالنظرية السياسية. وعلى هذا الأساس حاولنا أن نجمع ما بين الجانب النظري والجانب التطبيقي. ومع ذلك فقد انتابتنا حالة من التردد فيما يتعلق بالجانب التطبيقي، فليس من السهل تناول كل الموضوعات التي تدخل ضمن إطار اهتمام النظرية السياسية، لكثرة هذه الموضوعات وتعدد تفرعاتها، وحتى تباين تطبيقات النظرية الواحدة من نظام سياسي إلى آخر، فالنظرية حول الدولة فيها الجانب التاريخي وفيها التنظيرات التي تخص الدولة الراهنة في العالم الغربي، وتلك التي نظّرت للدولة الاشتراكية والشيوعية زمن وجود المعسكر الاشتراكي، وبعضها يتحدث عن نظرية الدولة في الإسلام... الخ. ولكننا كمجتمعات عربية إسلامية نعيش في دول لها خصوصياتها، وعليه لا يفيد أن ندرس نظرية الدولة في الغرب أو الشرق أو عبر التجارب التاريخية ونتجاهل خصوصية الدولة في العالم العربي والإسلامي. الأمر نفسه بالنسبة إلى الديمقراطية، فدراسة النظرية الديمقراطية كما نشأت في الغرب وتطورت وكما تُمارَس اليوم هناك، مفيدة ولا شك، وتعتبر مرشداً وأنموذجاً يمكن الاسترشاد به أو البناء عليه، ولكن في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، هل يمكن الأخذ بالنظرية الديمقراطية الغربية بحذافيرها؟ أم أن الأمر يتطلب عملية تبيئة لمقولات هذه النظرية لتتناسب ومجتمعاتنا؟ أيضاً نظرية الثورة من حيث تعريفها والظروف الدافعة لها ومقارنتها بواقع التحركات الشعبية العربية الراهنة. وغير ذلك من الموضوعات التي تحتاج إلى الجمع ما بين النظرية والتطبيق.
 
وفي الختام، لا بد من الاعتراف بأن عملنا هذا هو محاولة لمقاربة موضوع النظرية السياسية، سواء على مستوى الجانب المفاهيمي أو على مستوى الممارسة في ظل عالم باتت تحكمه المصالح المتضاربة وعودة الأيديولوجية مجدداًن إضافة إلى أفكار أصولية تؤثر في سلوك المجتمعات ونظرتهم لأنفسهم وللعالم من حولهم أكثر من تأثير العلم ونظرياته السياسية. ونرجو أن يوفر هذا الكتاب قاعدة لمناقشات مستفيضة حول النظرية السياسية، وخصوصاً أننا حاولنا أن نثير قضايا لها علاقة بواقع النظرية السياسية في عالمنا العربي الذي يشهد أحداثاً عاصفة وتحولات مفتوحة على كل الاحتمالات.
 
 
 
أ- د/إبراهيم أبراش
 
مايو 2012

الصفحات