كتاب "النظرية السياسية بين التجريد والممارسة، للكاتب والمؤلف د.إبراهيم أبراش، كما يقول في مقدمته: "لا بد من الاعتراف بأن عملنا هذا هو محاولة لمقاربة موضوع النظرية السياسية، سواء على مستوى الجانب المفاهيمي أو على مستوى الممارسة في ظل عالم باتت تحكمه المصالح
أنت هنا
قراءة كتاب النظرية السياسية بين التجريد والممارسة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
أما في اللغة العربية، فإن كلمة سياسة وكما ورد في "لسان العرب" أتت من السَّوْس بمعنى: الرياسة، حيث يقال:ساسوهم سوساً، وإذا رأَّسوه قيل سوسوه، والسياسة أيضاً بمعنى القيام على الشيء بما يصلحه.وقيل إن أقدم استعمال لكلمة السياسة في الأدب العربي، يرجع إلى عهد الخنساء، حيث قالت في إحدى أبياتها الشعرية:
"ومعاصم للهالكين وساسة قوم محاشد" (5)
لا شك أن علم الاشتقاق، وإن كان يقربنا من دلالة الكلمات ومعانيها الأولية، فإنه لا يكشف عن الأبعاد العلمية والفكرية التي تأخذها المصطلحات عندما تتحول إلى جزء من النظام الفكري والقيمي لمجتمع ما وفي ظروف مختلفة، وخصوصاً المصطلح في العلوم الاجتماعية، حيث هو ذو دلالة إيديولوجية كبيرة. ومن هنا تأتي أهمية المعنى الاصطلاحي لكلمة سياسة.
تذهب غالبية التعريفات الاصطلاحية التي أعطيت لكلمة سياسة إلى ربطها بنظام الحكم أو بعلاقة الحاكمين بالمحكومين، فالسياسة لا تكون إلا في المجتمعات الكلية التي تقاد عن طريق هيئة سياسية تصدر قوانين ملزمة للأفراد، وتمارس عليهم الضغط والإكراه، فلا يمكن تصور سياسة دون وجود سلطة سياسية، وحيث لا يمكن تصور سلطة سياسية دون ممارسة التسلط- بدرجاته المتباينة- فإن وجود السياسة يستدعي وجود السلطة.
برجوعنا إلى كلمة سياسة كما توردها القواميس المتخصصة، سنجد تعدداً خصباً في التعريفات، فقد عرفها معجم "روبير" 1962 بأنها "فن إدارة المجتمعات الإنسانية"، أما معجم كاسل ((Casslle فيقول: إن السياسة ترتبط بالحكم والإدارة في المجتمع المدني"، وبالنسبة لقاموس ليتره Littre)) الفرنسي 1870 فقد قدم ثمانية تعريفات لكلمة سياسة منها: "فن حكم الدولة"، "السياسة علم حكم الدول وإدارة العلاقات مع الدول الأخرى"، وفي قاموس العلوم الاجتماعية عُرفت السياسة بأنها: "تلك العمليات الصادرة عن السلوك الإنساني التي يتجلى فيها الصراع بين الخير العام من جهة، ومصالح الجماعات من جهة أخرى، ويظهر فيها استخدام القوة بصورة أو بأخرى لإنهاء هذا الصراع أو التخفيف منه أو استمراريته".
وإذا انتقلنا من التعريف القاموسي لكلمة سياسة إلى التعريفات التي أعطاها المختصون لهذه الكلمة، سنجد التنوع نفسه، فستانلي هوفمان أعطى مائة تعريف لمفهوم السياسة، حتى يمكن أن يقال إن لكل عالم سياسة تعريفه الخاص لها، فقد عرفها جوليان فروند Julien Freund بأنها: "الفعالية الاجتماعية التي تأخذ على عاتقها- عن طريق القوة المرتكزة إجمالاً على القانون، تأمين السلامة الخارجية، والوفاق الداخلي لوحدة سياسية خاصة، وصيانة النظام وسط الصراعات الناجمة عن تنوع واختلاف الآراء والمصالح". ومع ذلك، فإن الكاتب هو ذاته غير مقتنع بدقة ووضوح تعريفه، حيث يقول في موضع آخر من كتابه، إن السياسة تشبه كيس سفر يحتوي على الأشياء المتنوعة، ففيه ما شئت من الصراع، ومن الحيلة، والقوة، والتفاوض، والعنف، والإرهاب، والتخريب، والحرب، والقانون... (6)