كتاب" التكيف في المؤسسات الصناعية"، يعتبر التكيف في المؤسسات الصناعية من تفرعات علم النفس الصناعي التي حظيت باهتمام كبير من قبل المؤسسات الصناعية واتحادات العمال في الدول المختلفة، وذلك لأن التطور إلى النظرة الإنسانية للعمل وضعت العامل أو الموظف محط اهتمام
أنت هنا
قراءة كتاب التكيف في المؤسسات الصناعية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
وما أن انتصف القرن التاسع عشر حتى ظهر "دارون" Darwin بنظريته التي تقوم على "تنازع البقاء وبقاء الأنسب" فكأنما كانت هدية وقع عليها أرباب الصناعة يؤيدون بها موقفهم المتزمت من العمال. وسرعان ما شاع بين الناس أنه من الإجرام معونة الضعيف أو الفقير حتى لقد قال الفيلسوف الإنجليزي "سبنسر" spencer إن لكل إنسان الحق في الحفاظ على حياته، لكن بما أنه كتب على الأنسب البقاء وعلى غيرهم الفناء، فيجب أن يكون الناس أحراراً كي ينافس بعضهم بعضاً وكي يثبتوا صلاحيتهم للبقاء. فالتناحر والصراع الموصول من القوانين الرئيسية للحياة، وكان لابد لذلك من رد فعل عنيف ظهرت بوادره في بعض الافكار والمبادئ المتطرفة التي شهدتها نهاية القرن التاسع عشر.
وحتى وقت ليس بعيداً كان هم أصحاب الأعمال منصباً على الربح ليس غير وعلى ما يقوم عليه الربح من دعائم، كالحصول على المواد الخام بأقل كلفة، والإحاطة بأسعار السوق أولاً فأول، وتقدير قوة المنافسين وخطورتهم والعمل على قهرهم والتغلب عليهم، والاتصال بالعملاء ودراسة مراكزهم المالية ودرجة الاعتماد عليهم. أما العامل نفسه فلم يكن موضع تفكير أو اهتمام، كذلك كان اهتمام الصناعة منصباً على التنظيم المادي للإنتاج لا على تنظيم العمل الإنساني، فكانوا يهتمون بالآلات والأدوات والمعدات والمواد الخام وأماكن العمل، يهتمون بتحسينها وتطويرها، أما العمال فلم يلق إليهم بالاً لأنهم عنصر ثانوي في الإنتاج. لم يتساءل أحد عما إذا كانت الآلات أو العدد أو المواد مكيفة للعامل بحيث يستطيع أن يديرها أو أن يستعملها في غير عناء. كذلك لم يتساءل أحد عما إذا كان العامل نفسه مكيفاً تكييفاً صالحاً لعمله، بمعنى أنه يملك من القدرات والاستعدادات والصفات ما يؤهله لعمله. ذلك أن أصحاب الصناعة كانوا يؤمنون بأن العمل الإنساني يمكن أن يستعاض عنه بعمل الآلات- تلك الآلات المعقدة الجبارة الدقيقة التي أخرجتها عقول المخترعين في القرن التاسع عشر وقبله.
غير أن هذا الرأي سرعان ما ظهر خطؤه تدريجاً. فالطاقة الإنسانية لا يمكن أن يستعاض عنها جميعها بطاقة الآلات. والإنسان لا يزال هو الذي يدير الآلة ويشرف عليها ويوقفها ويصلحها، وهي لا تستطيع أن تعده عن العمل فتأخذ كل مكان فيه، بل الأمر بالعكس فقد أصبحت الآلة تتطلب من العامل قدرات ومهارات وصفات من طراز أدق وأرقى. فمن طلب زيادة من الإنتاج فعليه ألا يغفل عن أثر العنصر الإنساني حتى في عصر الآلة والاتمته.
فردريك تايلور taylor
لم يبدأ الباحثون بتطبيق علم النفس التجريبي على مشاكل العمل والصناعة والإنتاج قبل بدء القرن العشرين. وكان أقدم خبراء علم النفس الصناعي، المهندس الأمريكي "تايلور" 1856- 1915مؤسس علم الادارة الحديث. فقد كان أول من وجه الأنظار- بصورة علمية تجريبية- إلى العنصر الإنساني كعامل رئيسي في الإنتاج. . غير إن اهتمامه بالعامل كان لسوء الطالع اهتماماً أساء إليه وإلى علم النفس.
كان تايلور يلاحظ أثناء عمله بالشركات والمصانع أن الطرق التي يتبعها العمال والصناع في أداء أعمالهم طرق عقيمة في أغلب الأحوال مما يسفر عنها خسارة وتبذير في الأموال. وكان المعتقد في زمنه أن الخبرة والمران كفيلان أن يستطيع العامل من تلقاء نفسه ابتداع الطرق المثمرة والحركات المفيدة اللازمة لعمله، بل كفيلان بإزالة الحركات الطائشة والدخيلة والضارة بالعمل تدريجاً غير أن تايلور لم يأخذ بهذا الرأي، أي بقدرة العامل على أن يقع بنفسه على أفضل طريقة لعمله: صحيح أن هناك حالات تشذ عن هذه القاعدة، لكنه من الحمق أن تترك هذا الأمر للمصادفة، فندع العامل حتى يجد بذكائه وجهوده الخاصة أحسن طريقة لعمله.
لذا أخذ تايلور ينصح بعمل دراسة دقيقة منظمة للعمل الصناعي في كل مرحلة من مراحله- سواء كان هذا عامل بناء أو نجاراً أو خراطاً أو ميكانيكياً أو كاتباً على المكاتب، دراسة تتناول كل مرحلة بالملاحظة والتحليل والتجريب وتحليل العمل إلى حركاته وعملياته الأولية التي لا يمكن تحليلها إلى أبسط منها، ثم استبعاد الحركات الزائدة والطائشة ثم تقدير الزمن اللازم لكل حركة من الحركات الضرورية تقديراً دقيقاً، ثم التأليف بين الحركات الأولية الضرورية في مجموعات تكوّن أنسب طريقة وأسرعها لأداء العمل، تكون "الطريقة المثلى الوحيدة" التي يجب أن يتبعها كل عامل في أداء العمل.


