كتاب" التكيف في المؤسسات الصناعية"، يعتبر التكيف في المؤسسات الصناعية من تفرعات علم النفس الصناعي التي حظيت باهتمام كبير من قبل المؤسسات الصناعية واتحادات العمال في الدول المختلفة، وذلك لأن التطور إلى النظرة الإنسانية للعمل وضعت العامل أو الموظف محط اهتمام
أنت هنا
قراءة كتاب التكيف في المؤسسات الصناعية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
ولم تقف جهود تايلور عند دراسة الحركة والزمن على هذا النحو، بل كان يعنى أيضاً بدراسة الأدوات والعدد والمواد التي يستخدمها في عمله: وضعها وشكلها وترتيبها، حتى يسهل على العامل عمله، ويجنبه القيام بمجهود لا داعي له، فيزيد إنتاجه، ومن هذه الناحية يعتبر تايلور منشئ حركة "الهندسة البشرية" في ميدان علم النفس الصناعي.
ولقد وضع تايلور نظاماً لزيادة الكفاية الإنتاجية يقوم على دعائم ثلاث:
أ- ألا يختار من المتقدمين لعمل من الأعمال إلا أحسنهم وأكفأهم.
ب- ثم يقوم بتدريبهم بأن يفرض عليهم أداء العمل بالطريقة المثلى الوحيدة حتى يصلوا- إن استطاعوا- إلى مستوى الإنتاج النموذجي.
ج- ثم يلجأ بعد هذا الاختيار والتدريب إلى حفزهم على زيادة الإنتاج بمكافآت مالية.
ولكي يتحقق تايلور صدق دعواه أخذ يطبق نظامه على نطاق واسع منذ عام 1898. من ذلك أنه استأذن إحدى شركات الصلب الكبيرة بالولايات المتحدة في إجراء بحث فني على عملية شحن الحديد الخام وتفريغه، ووقع اختياره على قسم بالشركة يجري فيه تجربته. وكان بالقسم 75 عاملاً يقوم كل واحد منهم ينقل حوالي 5ر12 طناً من الحديد في اليوم، وهو إنتاج كان يبدو معقولاً في نظر مراقبي العمال وموظفي الشركة الاداريين، ولم يكن يدور بخلد أحدهم أنه من الممكن زيادته.
أخذ تايلور يلاحظ العمال ملاحظة دقيقة أثناء عملهم، حتى استقر به المطاف على عامل هولندي قوي البنية مفتول الذراعين، وجد فيه أنه ممن يحبون المال، كما تأمل فيه أنه ممن يطيعون ويصدعون إذا أمروا، فجاءه تايلور زيادة أجره إن عمل حسب ما يمليه عليه من تعليمات وأوامر لا يناقشها أو يجادل فيها. وقبل الرجل. فأخذ تايلور يجرب عليه كل ما استطاع من طرق لنقل الحديد في شحنه وتفريغه. فكان يكلفه باستخدام جاروف كبير تارة، وآخر صغير طوراً، وجاروف متوسط الحجم تارة أخرى. كان يكلفه نقل الحديد من المستودع إلى سيارة النقل دون توقف تارة، أو نقله على مراحل تارة أخرى. كان يطلب إليه أن يسير متى كلف بالسير، وبالوقوف متى أمر بالوقوف، وبرفع الحديد حين يطلب إليه ذلك وبإنزاله عند الأمر وهكذا حتى ظفر المهندس الأمريكي آخر الأمر بما كان يطمح إليه، وهو أفضل طريقة لأداء هذا العمل. فإذا بهذا العامل قد أصبح قادراً على أن ينقل في اليوم الواحد 5ر47 طناً من الحديد بدلاً من 5ر12 أي بزيادة في الكفاية الإنتاجية تساوي أربعة أمثالها.
وكم كان ابتهاج وفرح الشركة بهذا الفتح الجديد! فإذا بها تطبق نظام تايلور- الذي يقوم على الاختيار والتدريب- على جميع عمالها الذين يؤدون هذا العمل. غير أنها رأت أن أغلبيتهم الساحقة لا يستطيعون اللحاق بهذا العامل الهولندي العتيد في كفايته وسرعته، فكانت تطرد من عجز عن إدراك مستواه النموذجي. وهكذا استطاعت الشركة أن تخفض عدد عمال نقل الحديد من 500 إلى 140 عاملاً. نعم لقد زاد الأجر اليومي للعمال الباقين بمقدار 60% لكن الشركة استطاعت أن توفر حوالي 75000 دولار في السنة، فآمنت بنظام تايلور، وتبعتها في ذلك شركات كثيرة.
ومما هو جدير بالذكر أن تايلور كان يعيد عملية الاختيار كل عدة شهور أو عدة سنوات ليستبعد العمال الذي قل إنتاجهم من جراء ما أصابهم من تعب وإرهاق في أعقاب أعمالهم المضنية المفروضة.
لقد كان تايلور يرجو من نظامه هذا رفع مستوى معيشة العامل وتحسين صحته بالإضافة إلى زيادة إنتاجه. كان يرجو لفت الأنظار إلى أهمية العنصر الإنساني كعامل أساسي في عملية الإنتاج، لكنه في الواقع أهمل العامل، ولم يهتم إلا بالعمل يحلله تحليلاً دقيقاً. وقد جانبه التوفيق في أكثر من موضع.
لقد كان ظالماً حين جعل أقصى إنتاج لأكفأ عامل الإنتاج النموذجي الذي يجب أن يصل إليه جميع العمال على ما بينهم من فوارق في القدرة والقوة ودرجة الاحتمال، وإلا كان مصيرهم الطرد، في حين يقضي العدل أن يكون إنتاج العامل المتوسط هو الإنتاج النموذجي.