أنت هنا

قراءة كتاب حورية الماء وبناتها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حورية الماء وبناتها

حورية الماء وبناتها

رواية "حورية الماء وبناتها"، هذا العمل هو الكتاب الأربعون في سلسلة الأعمال الشعرية والروائية التي أصدرها سليم بركات طيلة حياته الإبداعية التي بدأها قبل أكثر من أربعين عاماً ومازال مستمراً في هذا العطاء. رواية ‘حورية الماء وبناتها’، ‘رحلة في سفينة سياحية.

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
كاليس البيضاء، المرقطة الجلد بحراشف رمادية، لم تكن تشبه بناتها بحظوظ الألوان من تكوينها حوريةً بزعنفة برتقالية، عريضة، في نهاية الذيل، وزعنفة خضراء، مخطَّطة بحزوزٍ سودٍ وقرمزيةٍ على طول ظهرها، من أصل عنقها بين الكتفين حتى العَجُز· عيناها بيضاوان بحدقتين برتقاليتين· بناتها زرقاواتُ الحراشف؛ زرقاوات الجلود الظاهرةِ برُقطٍ بيْضٍ· زعانفهن الذيلية، وزعانف ظهورهن، رمادية· عيونهنَّ سُوْدٌ بلا بياضٍ، تنتصِفها حدقاتٌ صُفْرٌ· وهنَّ لم يبلغن، بعدُ، طول أمهنَّ الأربعة الأمتار أو أقلَّ شبراً ربما· لكنهن ينزلقن في الماء تجذيفاً بزعانفهن مِثالَ أمهنَّ انزلاقاً، تتفتَّح لانسيابهنَّ الأعماقُ أغماداً طَوْعَ الزَّلْقِ فيها، طيِّعَةً إنْ تأوَّدْنَ سَبْحاً أو سرَّعْنَهُ· وهنَّ، كنوعهن الحوريات، يَغْتذيْنَ أعشابَ البحر ـ خسَّه الريحانيَّ، وجرجيرَه المحترق خُضرةً، وكذلك بعضَ محاره المُسهَّم من دون سائر مخلوقات البحر الأخرى أسماكاً، أو أصدافاً، أو رخوياتٍ نابتةً بجذورٍ كأخواتها السَّوابح بالتثنِّي انتقالاً كحركة الديدان·
 
مطلع أيلول، من كل عام، يحضُرُ كاليْسَ نازعُها النداءُ اللامدفوعُ إلى رحلتها، من مضيقِ بحرِ العقلِ المياهِ هيلاكريتوثينيس إلى بحر غَمْرِ الشمال النهائيِّ الأعظم تريتونفال· أيلولُ شهرِ المياهِ متأملةً ماضي يقينها، وحاضرَ شكِّها، وآتي وَحْيها المُلْهِم· لا أقدارَ للمياه في أيلول: نظامٌ طِبْقُ الظلال الأكثر ارتداداً إلى سِرِّها المُعْتَصَرِ من ثمرات النقائض· ايلولُ المياهِ إذِ المياهُ خادِرةٌ فَلَكٌ في فِيْلَجَتها قبل أن تنخرق الفِيْلَجَةُ عن فراشة الأبراج الزمنية، والأبراج الساكنة في الإهليلجِ العريقِ اللاَّزمنيِّ· المياهُ انخفاضٌ، في أيلول، عن مستوى معناها اشباراً فلا تُؤَّلُ احوالُها إلاَّ بانقضاء أيلول· والحوريةُ كاليس تتخيَّر هذا الشهرَ الحيرةَ بقَدَمٍ في ماضي الصيف، وقدم في آتي الخريف، لرحلتها إلى الثغرة الدائرية، ذات الطوق الأصفر ظاهراً في الغمر الكبير كقِلادةٍ ماءٍ· وهناك، وسط الثغرة المائية في الغَمْر المائيِّ، ستؤدي، وبناتها، رقصتهنَّ المُدرَّبةَ الفتنة بإلهامٍ من حنين الأصل اللاموصوف، لدقيقتين لا أكثر، تمام الساعة الثانية عشرة ظُهراً وأربع دقائق، المُصَادِفَةِ اليومَ الرابع والعشرين من الشهر المتشقِّق القدمين من غبار الصيف، وغيوم الخريف المتزلِّفة·
 
توقفت كاليس عن اندفاعتها الرشيقة· استدارت، منتصبةً، إلى بناتها المائسات الأجساد· حدَّقت إليهنَّ، راضيةً، من وجهها المتطاول، الشديد البياض، تُخاتلُهُ ذؤاباتٌ من شعرها الأزرق الكثيف متلوِّيةً من نفخ الماء عليها بأفواهه الثمانية· لم تتوقف بناتُها إذْ حاذيْنَها· عبرْنَها بعد دورتين من حولها أثارتا نشيداً موصولاً من الفقاعات سطَّرْنها بأنفاسهُنَّ دائريةً، متقاطعةً، متجاذبةً بغُلمة الهواء الذَّكر فيها هوىً إلى الهواء الأنثى، والهواء الأنثى هوىً إلى الهواء الذَّكر؛ أو ما اتَّفق لهُ جاذبُ الجنس إلى جنسهِ ـ ذكرٍ إلى ذكرٍ، وأنثى إلى أنثى؛ أو ماانبسطَ طمَعُه العذبُ فوزاً بالجنسيْنِ ـ الذَّكرِ إلى مثله وإلى أنثاه، والأنثى إلى مثلها وإلى ذكَرها معاً· فقاعاتٌ بهواء الغُلمة مِمْراحاً، في أنفاس البنات الحوريات، طوَّقت جسدَ أمهن، التي ألوت زعنفةَ ذيلها خَفْضاً ورفْعاً قويَّين فاندفعت سهماً زيتاً رشقتْ به الأعماقُ الأعاليَ· كادت تبلغ سطحَ البحر، لكنها ارتدَّت تاركةً لذيلها البرتقاليِّ، في الارتداد، أن يطفو أشباراً فوق سطح الماء·صفعتِ الماءَ، من ثمَّ، صَفْعاً مُدوِّياً قبل الغوص· تفجَّرَ الماءُ حقائقَ من خصائصه رذاذاً، ونِصالاً، وكُراتٍ لِصَاقاً، وأقواساً مقطَّعةَ الأوتار، وأصابعَ تتحسَّس بها الحقائقُ وجودَها هواءً يُحْبَسُ ويُسَرَّحُ·

الصفحات