رواية "حورية الماء وبناتها"، هذا العمل هو الكتاب الأربعون في سلسلة الأعمال الشعرية والروائية التي أصدرها سليم بركات طيلة حياته الإبداعية التي بدأها قبل أكثر من أربعين عاماً ومازال مستمراً في هذا العطاء. رواية ‘حورية الماء وبناتها’، ‘رحلة في سفينة سياحية.
أنت هنا
قراءة كتاب حورية الماء وبناتها
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
صعد المسافرون الجسرَ المعدنَ، الخفيف الانحدار من محيط السفينة إلى الرصيف، المطرَّز بسطور متوازية من أعقاب مساميرَ مضلَّعةٍ، صغيرة جداً· كركرتْ عِجالُ حقائبهم تماسًّا مع المعدن الخشن· أسلموا تذاكرَ سفرهم، مثنى مثنى، للعاملتين المُضيفتين، المبتسمتين ترحيباً ـ كلِّ واحدة على جهة من مَعْبرٍ بوَّابةٍ في الحاجز على محيط منتصف السفينةِ ـ طبقتها الثانية· تناولتا التذاكر منهم بيديهما اليسراوين، فيما ظلَّت يداهما اليمناوان ممسكتين بترسيهما· وقد صيَّرَتِ العاملتان ابتسامتيْهما المسترسلتين، في ثيابيهما الرمادية المتماثلة زيًّا تفصيلاً، مترادفاتٍ من لغة الحنوِّ، والإقبالِ الدافئ، حين بلغَتهما الفتاةُ الصغيرة، على حالها مترنِّمة، بفمٍ مُطْبَقٍ، وهي تمدُّ تذكرةَ السفر إليهما بالتناوب، مبتسمةً بدورها، تمازحهما بنقل يدها، بالتذكرة، من واحدة إلى أخرى· لم تسألاها، فضولاً، إن كانت وحدها، مُذْ لَحَظتا أنْ ما من أحدٍ من الداخليْنَ إلى المُشْرَفِ المحيط بالسفينة أعارَها التفاتةً· تناولت إحداهنَّ التذكرةَ منها، وانحنت لها إمعاناً في التخصيص بشرفِ لقائها، تمثُّلاً يتصنَّع فعلَ الناس في لقاء ملكة، أو أميرة· انحنت الفتاةُ الصغيرة لها مجاراةً· أحكمت حَمْلَ ترسها إذْ تراخت يدُها قليلاً، ثم مضت مع الماضيْنَ يقودهم أدلاَّءُ مرشدون ـ عمَّالٌ، مرحِّبيْنَ، واضعين في أيديهم خرائطَ تخطيطاتٍ للسفينة ـ ممرَّاتِها، ومقاصير الإقامة فيها، وردهاتها ، وقاعاتها، وحاناتها؛ مقدِّمين لهم تعريفاً بطبقاتها الثلاث، والمستلزمات الأخرى للراحة مبذولةً لاستجمام المسافر، والترويح عن حاله، بالرغم من وجود سهام دالَّةٍ، معلَّقة إلى سقوف الممرات، عليها أسماء واضحة للأمكنة توفيراً للتِّسْآل·
كان مُشْرَف السفينة، الذي بلغه المسافرون أولاً، من نهاية الجسر المعدنِ الممتد من السفينة إلى رصيف الميناء، هو محيط طبقتها الثانية، منه الدخول إلى جوفها عبر ممَرات مفضية إلى مقاصير النُّزلاء ـ غرفِ سُكناهم ومتاعهم· ومن سلالم كهربيَّةٍ بين المقاصير، ذاتية الحركة صعوداً ونزولاً، يمكن بلوغ الطبقة السفلى، الحاوية مطعم السفينة الواسع الأرجاء، وحانتها الدائرية، ومكتبتها ذات الرفوف القوسية التسعة عشر· وهي الطبقة، التي ينتصب وسطها عمودٌ اسطوانةٌ ضخمة المحيط، مرتفعة من قاع السفينة حتى سقف طبقتها الثالثة المرصَّعة القبَّة بزجاجٍ أبيضَ مُعتَلِّ البياض، غير نقيٍّ· طبقةٌ عليا ـ قاعةٌ واسعةٌ للقاءات اجتماعاً، وساحةٌ للرقص، ومعرض للرسوم، تتوزَّع فيها أكواخٌ معدن شَبَكٌ، لطيفةُ التصاميم، بسيطة، بأبواب ستائرَ من زَرَدٍ، للتدخين اختلاءً· العمود الأسطوانة كان المَعْلَمَ الأوحد، دون سائر جدران السفينة، مطليًّا أزرقَ فاتحاً، بنقوش حمراء، وسوداء، وذهبية، من أشكال طيور شتَّى مشتعلة الأجنحة ناراً، وفراشات مشتعلة، وأيائل بقرون مشتعلة، وزنابقَ مشتعلةِ التيجان، وغيومٍ نارٍ متدرِّجةِ الصُّفرة والحُمرة، متقَنة النقش خطوطاً أجراماً، وعطفاتٍ، وانحناءاتٍ، وتَجَوُّراتٍ، تتخلل الفراغات بينها رؤوسٌ آدمية، نافرة، بملامح مستَشاطةٍ غضباً، ذات أفواه فاغرة عن ألسنة حمر· العمودُ الأسطوانةُ حديدٌ بدوره، كسائر هيكل السفينة التي كراسيُّها حديدٌ حيث تصادفت الكراسيُّ، وكذا مقاعدُها، وصحون مطعمها، وكؤوس الشراب فيها، وأسِرَّتُها، وستائرُها الزَّرَدُ المعدن على شبابيكها، بلا طلاءٍ، لها اللونُ الأصلُ للحديد محترقاً في لَزْقِ ألواحه الكاسيةِ هيكَلها، ولها الرائحةُ الأصلُ للحديد فيها شيءٌ من نسل رائحة الدم·