رواية "حورية الماء وبناتها"، هذا العمل هو الكتاب الأربعون في سلسلة الأعمال الشعرية والروائية التي أصدرها سليم بركات طيلة حياته الإبداعية التي بدأها قبل أكثر من أربعين عاماً ومازال مستمراً في هذا العطاء. رواية ‘حورية الماء وبناتها’، ‘رحلة في سفينة سياحية.
أنت هنا
قراءة كتاب حورية الماء وبناتها
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
هي أودعت المقصورةَ حقيبتَها، التي حملتها في القدوم على ظهرها· كان مفتاح الباب، ككل مقصورة أُسْكِنَتْ نزلاءَ بعينهم، في القُفل من الخارج، حين دلَّها العاملُ الدليلُ، ذو الترس المستطيل المجوَّف، على بابها· مفتَاحٌ تدلَّى منه قرصٌ معدَنٌ عليه تدوينٌ نافر: .لا تنسَ مفتاحك خارجاً· لا تنس مفتاحك داخلاً. أنزلت الحقيبة عن ظهرها على السرير ذي الفراش المكسوِّ قُماشاً عليه صُورُ مواسيرَ حديدٍ، مستطيلة، أو مقطَّعة، رمادية· لم تترك الترس من يدها اليسرى· فتحت باليمنى الزِّمامَ المنزلقَ ـ السّحَّابَ عن محيطها· أخرجت الحقيبة الرفيعة الجسم· علَّقتها إلى كتفها· شربت ماءً من إبريق حديدٍ في البرادِ المكعَّبِ الحديد· أخذت كعكةً مثلثة الشكل من بين أقراصٍ كعكٍ زوَّد عاملو السفينة كلَّ مقصورة بصحن منه ترحيباً· خرجت مغلقةً البابَ من خلفها· مشت في الرُّواق المضاء بمصابيح خافتةِ الضوء مقتصدةٍ في بوحها النورانيِّ، أو متكتِّمةٍ قليلاً، ربما، على آثار جروحها·
من بابٍ عريضٍ، ذي دفتين تنفتحان دفْعاً، وتنغلقان بارتدادٍ ذاتيٍّ، انسلَّت الفتاةُ الصغيرة إلى مُشْرَفِ السفينة، الموازي، من الخارج، لصفِّ مقاصير النُّزلاء يستطيعون رؤية حاجزه القضبانِ من نوافذهم الدائرية· كانت موسيقى هادئةٌ تتأمَّل ذاتَها في مرآة الصوت، منبعثةً من نخاريب كنخاريب النحل، في مكامن لا تُلحظ من الصفيح الحديد، المحترق بلوعةٍ رمادية· ترنَّمت الفتاةُ مصغيةً ترنُّماً يخالف إيقاعَ تلك الموسيقى، بفمٍ مغلق· وضعت ترسها الدائري ـ الدَّرقةَ، ذا الرسمِ نافراً رأسَ ثورٍ، بين فخذيها المضمومتين· أخرجت غليونها· حشتْهُ ببعض العشب اليابس الأبيض· أشعلتْهُ بقدَّاح الغاز· احتَبَسَتِ الدخانَ المُسْتنشَق طويلاً، ثم أرسلتْهُ خيطاً ترتِّق به فتوقَ اللامرئيِّ· حملت ترسها· استدارت إلى ثُلَّة من نزلاء السفينة يتقدمون من جهتها، متحدثين، كلِّ اثنين ـ أو أكثر ـ في شأنٍ· حاذاها رجل في منتصف عقده الثالث، ربما، تمسك بعضده امرأةٌ أكبر سنًّا، طويلة، ببشرة ذكَّاها سُمرةً شعاعٌ محتبِسٌ من الشمس تحت جلدها، تحمل سلَّة مكعَّبة عليها غطاء مقفل، معلَّقة إلى ساعد يدها الممسكة بترسها المستطيل· انحنت لهما الفتاة الصغيرة متصنِّعةً، على نحوٍ ممازحٍ، إجلالاً، فاسترعت بصريهما حركتُها المُسْتلطَفة· توقفا· توقف رفاقهما من الثلة· بادلاها انحناءً مبتسميْنِ·
.أنا آتيْمَا.، قالت الفتاة الصغيرة، الحمراء الشعر، قصيرُهُ·
.آتيما.، تمتمت المرأة البالغة نهايةَ عقدها الخامس· تلفتت إلى مقعد يجلس عليه رجلان وامرأة· أشارت برأسها إليهم:
- أهؤلاء أهلك، يا آتيما؟·
.لا.، ردَّت الفتاة الصغيرة، مستنشقةً نَفَساً من دخان غليونها· تنهَّدت متعةً·
.أين أهلُك؟.، ساءلتها المرأة ذات السلة المكعبة منسوجةً من قصبٍ على صُفرةٍ، فردَّت الفتاة الصغيرة، ذات القلنسوة المرتدَّة وراء رقبتها:
- أنا آتيما·