أنا حاوية مخلفات (أجلكم الله) بأسماء متعددة· البعض يطلق عليّ حاوية قمامة· البعض الآخر يفضل اسم حاوية الفضلات· هناك من اختار لي اسم .برميل الزبالة.
قراءة كتاب مذكرات حاوية مخلفات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
توطئة
دعوني بداية أقدم لكم نفسي·
أنا حاوية مخلفات (أجلكم الله) بأسماء متعددة· البعض يطلق عليّ حاوية قمامة· البعض الآخر يفضل اسم حاوية الفضلات· هناك من اختار لي اسم .برميل الزبالة. تعددت الأسماء والوظيفة واحدة·
من صفاتي أني مصنوعة من الفولاذ الصلب، وأمتلك عجلات تمكنني من التحرك إلى الأمام أو الخلف أو اليمين أو اليسار، أو الاستدارة حول نفسي 180 درجة - طبعا بدفعة من أيادي البشر·
ما يميـّزني عن غيري من حاويات المخلفات التقليدية، هو أني أستشعر ما يدور حولي، ولدي أعين أرصدر بها ما يجري في نطاقي، ولدي آذان تصغي لما يـُقال عني وعن غيري، وأملك قلبا يحب ويكره، وجسدا يتألم ويفرح· وفوق هذا كله، فأنا مثقفة ومطلعة على التاريخ، وأستطيع أن أفهم بعض اللغات الأجنبية، وأن أقرأ وأستنتج وأحلل، وأتبين الصح من الخطأ، وأميز ما بين الصالح والطالح، والجيد والرديء، والخبيث والحميد· مشكلتي الوحيدة تكمن في أني لا أملك لسانا أدافع به عن نفسي في مواجهة من يتقصدون إيذائي واحتقاري·
رمتني الأقدار في البحرين لأخدم مواطنيها ومن يقيم على أرضها من مختلف الجنسيات، في احتضان مخلفاتهم اليومية· والحقيقة أني أعتبر وجودي في البحرين مكسبا لي لأنها بلد، بكل تأكيد، أفضل آلاف المرات من شقيقاتها العربيات الأخريات لجهة تسامح شعبها، وانفتاحهم الأزلي على مختلف الثقافات، وبعدهم عن التهور والتعصب الأعمى المفضي إلى العنف والاحتراب· وهي أفضل ملايين المرات، بطبيعة الحال، من بلاد كئيبة تسودها الحروب كالصومال وأفغانستان، أو تعاني من المجاعة ككوريا الشمالية أو من مظاهر التخلف والفقر كباكستان وبنغلاديش، أو صور الفلتان الأمني كالعراق· إلى ما سبق، فإن البحرين بالمقارنة بشقيقاتها الخليجيات، بلاد ذات موارد محدودة· وهذا أمر مهم لمن كان في مثل حالي ووظيفتي، لأن حجم الفضلات والمخلفات التي عليّ أن أحتضنها ستكون حتما أقل حجما وأخف وزنا، وبالتالي لن تـُثـْقل كاهلي ولن تكتم أنفاسي·
البحرين كما قرأتُ عنها أرخبيل من الجزر التي تبحر في مياه الخليج العربي، وتغتسل بمياهه الصافية، كما لو كانت عرائس تستعد لليلة زفافها· وهي بسبب موقها المتميز كانت على الدوام مرافىء للعشق، تلتقي وتتمازج فيها الحضارات والثقافات، الأمر الذي حولها إلى بستان للفرح والنجاح والتميز والإبداع، وإلى أفق من آفاق الحضارة الإنسانية·
لكن رغم كل هذه الميزات التي تتمتع بها البحرين، معطوفة على ما عرف عن أهلها من كرم وتهذيب وطيبة وكياسة، تمنيت - حالي كحال البشر الذين يتطلعون دوما إلى الأفضل - لو أن الأقدار رمتني في دولة متقدمة، من تلك التي يحرص شعبها على حاويات المخلفات، ويرأفون بحالها، ويلتزمون بما يفرضه القانون حيالها، فلا يرمون كل مخلفاتهم فيها دفعة واحدة، ولايقذفون في جوفها خليطا غير متجانس من الفضلات·