أنا حاوية مخلفات (أجلكم الله) بأسماء متعددة· البعض يطلق عليّ حاوية قمامة· البعض الآخر يفضل اسم حاوية الفضلات· هناك من اختار لي اسم .برميل الزبالة.
قراءة كتاب مذكرات حاوية مخلفات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
المبدأ القائل .إن دوام الحال من المحال. ينطبق على .الحورة. فمع تطور الأحوال الاقتصادية في السبعينات، هجرها معظم سكانها الأصليين إلى مناطق جديدة أكثر رحابة وفسحة، تاركين بيوت .الحورة. القديمة وأكواخها المتواضعة وأزقتها التقليدية الضيقة؛ لتكون سكنا للعمالة الآسيوية من هنود وباكستانيين وفلبينيين وتايلانديين وبنغاليين· في فترة لاحقة، حينما تسارعت وتيرة العمران والحركة التجارية، تحولت .الحورة. وضواحيها، من منطقة ذات بساتين تداعب أمواج البحر، إلى منطقة تجارية تصطف على جانبي شوارعها المسفلتة مئات المحال التجارية من تلك التي تبيع كل شيء، ابتداء من الخضار والفواكه والمواد الغذائية والأسماك واللحوم والحلويات وخبز التنور الساخن، وانتهاء ببيع مواد البناء والصيانة والأجهزة الكهربائية والهواتف النقالة والكماليات الرخيصة، من عطور وملابس وساعات ونظارات وحقائب وغيرها· بل انتشرت على جانبي الشارعين، أيضا، محال متخصصة في تقديم مختلف الخدمات، مثل خياطة الثياب العربية وبيع مكملاتها، وتنظيف الملابس بالبخار، وتصليح الأحذية، وتدليك الأبدان وفق الطريقة التايلاندية، وقص الشعر، وحجز الرحلات الجوية، وتأجير السيارات، وشحن الأمتعة إلى الخارج، وإصلاح المركبات، والتقاط الصور وتحميضها، ناهيك عن خدمة تخليص المعاملات الحكومية، وترتيب الصفقات العقارية من تأجير وبيع وتسجيل·
استشعرتُ مبكرا، والحالة هذه، أن تكون وطأة العمل عليّ ثقيلة· استشعرتُ أن ما سوف يـُقذف في جوفي سيكون حتما خليطا غريبا من بقايا أطعمة الهنود والباكستانيين اللاذعة، أو من فضلات أطعمة الفلبينيين ذات الرائحة المنفرة· توقعتُ أن تلك الأطعمة لا بد وأن تجذبْ القطط والفئران والحشرات فتتسلق على جسدي أو تحوم حول رأسي، مسببة لي الخدوش والجروح· توقعتُ أيضا أن وجودي قريبا من المحال التجارية سوف يحملني أوزانا مضاعفة من .الكراتـين. الورقية، وأغلفة البضائع، والعلب الفارغة، وبما سيكتم أنفاسي ويمنع حصولي على القدر اللازم من الأوكسجين للتنفس، خصوصا في فصل الصيف الملتهب· توقعتُ أن تكثر حالات اصطدام المركبات بي من الخلف أو الأمام، طالما أن الشارع مزدحم على مدار الساعة، وذو مساحات محدودة لإيقاف السيارات·
كل ما توقعته واستشعرتُ به مبكرا حدث، بل حدث ما هو أسوأ وأمرّ، وهو ما جعلني أتحسر وأبكي على أيامي الجميلة أمام شقة .يوسف. كنتُ في شوق غريب لمعرفة ما آلت إليه علاقته مع الجميلة .پاميلا.، وعما إذا كانا سيقترنان ويكّونان أسرة سعيدة· همستُ لنفسي قائلة: انتظري! فقد يحتاجان ذات يوم لخدمة من الخدمات التي تقدمها محلات شارع الزبارة، فيمران بمحاذاتكِ، وتمتعين أنظاركِ برؤيتهما· هذا ما حدث بالفعل بعد مرور نحو عام من وجودي في .الحورة. رأيتُ .يوسف. بعد عصر يوم شتوي بارد يركن سيارته الألمانية الحمراء أمام متجر لبيع قفازات اليد الصوفية، خرجتْ منها .پاميلا. حاملة فوق ذراعها طفلة جميلة· هنا أدركتُ أنهما تزوجا وأنجبا· أدركتُ أن .يوسف. قد وضع حدا لحياة اللهو والمجون السابقة· وددتُ ساعتئذ أن أفرد ذراعيّ لهما لاحتضانهما وتقبيل طفلتهما· غير أني تراجعتُ لما أدركت استحالة قبولهما - أو قبول أي إنسان - بالارتماء في أحضان حاوية مخلفات تعلوها القذارة، وتنبعث منها الروائح الكريهة·
كان موقعي في شارع الزبارة أمام محل متخصص في أعمال السباكة، لكن صاحبه .عبدالرحيم. كان إنسانا كسولا· من علامات كسله أنه كان لا يفتح دكانه في مواعيد محددة، وإنما وفقا لمزاجه· فإذا ما فتحه لا يزاول أي عمل، ويكتفي بالجلوس ومراقبة المارة، مع احتساء مشروب غازي بارد· الأسوأ من ذلك أنه لم يكن يتجاوب مع من يأتيه طلبا لخدمة من خدماته، بل يرشده إلى أناس آخرين يعملون في المجال نفسه· حاولتُ أن أجد تفسيرا لممارسات .عبدالرحيم. الغريبة هذه، فلم أهتد إلى شيء سوى أنه استأجر دكانه فقط من أجل أن يبدو كرجال الأعمال أمام الآخرين، وينفي عن نفسه وصمة البطالة·