أنا حاوية مخلفات (أجلكم الله) بأسماء متعددة· البعض يطلق عليّ حاوية قمامة· البعض الآخر يفضل اسم حاوية الفضلات· هناك من اختار لي اسم .برميل الزبالة.
قراءة كتاب مذكرات حاوية مخلفات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
أقرب رواد المقهى شبها في تصرفاته بـ .بوأحمد. كان شاب ثلاثيني يُدعى .بوطلال.، لكن هذا كان يُفضل الجلوس داخل المقهى وسط الأدخنة الكثيفة، وينكب على قراءة الصحف والكتب من خلال جهاز .اللاب توب. الخاص به، أو يستمع إلى أغانيه المفضلة المُخزنة داخل جهازه، أو يدون ملاحظاته وخواطره مباشرة بالضغط على .الكي بورد. سألت نفسي .ما الذي يا ترى يمنع بو أحمد من التشبه بـ.بوطلال. لجهة وسيلتي القراءة والكتابة، فيوفر على نفسه الجهد والوقت الضائع في إفراد الصحف وتقليب صفحاتها وإعادة ترتيبها، أو في الكتابة اليدوية والتصحيح وإعادة النسخ· لكني سرعان ما تداركت تساؤلي الغبي لأقول: .إنه الفرق ما بين جيلين، عاشا في حقبتين مختلفتين من الزمن، فتطبع كل منهما بملامح حقبته، وتعوّد على الدارج والشائع فيهما.
من رواد المقهى الآخرين، كان هناك شخص ذو نظارات سميكة، وخطى بطيئة، وشوارب كثة، وأسنان اصطناعية تتوسطها واحدة ذهبية· هذا الذي كان يـُكنـّى بـ .بو غسان.، وتجاوز الخامسة والسبعين من عمره، اعتاد أن يتخذ من المقهى مكتبا مجانيا لإدارة أعماله والالتقاء بعملائه في مجال بيع العقارات وشرائها· كان يغيظني ببخله الشديد، فهو لم يكن يشترى من المقهى سوى كوب واحد من الشاي· أما صحف الصباح فلم يكن يدفع فيها فلسا واحدا ؛لأنه كان يستعيرها من .بوأحمد. ليعيدها بعد دقائق عدة من دون ترتيب، قائلا عبارته المكررة .ما فيها شيء يطيـّب الخاطر.، وذلك في إشارة مبطنة إلى عدم وجود أخبار مفرحة حول زيادة رواتب المتقاعدين أو توزيع الحكومة لمكرمات أو إعانات على المواطنين·
ومن بخلاء المقهى الآخرين، لكن من أكثر رواده ظرفا وتقبلا للمزاح، تعرفت على .بوفهد. الذي كان يمتهن وظيفة الوسيط العقاري، من بعد سنوات طويلة قضاها كموظف في شركة نفط البحرين (بابكو)، التي لم يستفد منها سوى إجادة اللغة الإنجليزية قراءة وكتابة· كان .بوفهد. لا ينفق في المقهى سوى 300 فلس يوميا (أقل من دولار أمريكي) كثمن لكوبين من الشاي أحدهما بالحليب، حتى قيل أنه يوفر المال صباحا كي يصرفه مساء في احتساء الخمور داخل إحدى الحانات الواقعة في المنطقة· فالرجل، رغم تقدمه في السن، إلا أنه كان من الجيل القديم المحب للحياة واللهو والمتعة، والذي عُرف أفراده في البحرين والخليج بـاسم .الإزْكرتية. اتفاقا مع هذه الصفة كان .بوفهد. يحرص على الجلوس خارج المقهى من أجل .البحلقة. في النساء الهنديات· فما إن تمر إحداهن أمامه حتى تنفرج أساريره، ويطلق زفرة حائرة مصحوبة بعبارة .آيابااااااا.، التي تستعمل في البحرين والخليج للتعبير عن الإعجاب المقترن برغبة الاستحواذ·
كان .بوفهد. لا يكتفي بذلك، بل يستخدمه كمدخل لسرد حكاياته الشخصية ومغامراته الجنسية مع حسناوات الهند وعاهراتها في أحياء .كولابا. و.فارس رود. و.بندره. في مدينة بومباي، التي يسميها الخليجيون .بـَمـْبـَي.، وذلك عندما كان شابا يعمل على ظهر المراكب الشراعية التقليدية في رحلات الغوص وصيد اللؤلؤ وتسويقه، في سوق اللؤلؤ الكبيرة في بومباي، المعروفة باسم .موتي بازار.، قبل أن تبور تجارة اللؤلؤ الطبيعي في ثلاثينات القرن العشرين كنتيجة لظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني وانتشاره، ويصبح هذا النشاط ورجالاته شيئا من التاريخ المنسي·
هكذا أصبح جميع مرتادي المقهى على علم بصولات .بوفهد. وجولاته في بلاد الهند والسند، فصاروا يتعمدون مشاغبته ونكشه من خاصرته، بمجرد مرور امرأة هندية أو باكستانية أو بنغالية، سواء أكانت جميلة أو قبيحة، ليستدرجوه نحو الإفصاح عن المزيد مما تختزنه ذاكرته من حكايات وقصص عن زمنه الجميل في بومباي·