قراءة كتاب مذكرات حاوية مخلفات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرات حاوية مخلفات

مذكرات حاوية مخلفات

أنا حاوية مخلفات (أجلكم الله) بأسماء متعددة· البعض يطلق عليّ حاوية قمامة· البعض الآخر يفضل اسم حاوية الفضلات· هناك من اختار لي اسم .برميل الزبالة.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 5
من المشاهد التي كنتُ أصبحُ عليها كل يوم، منظر شاب مراهق لم يتجاوز العشرين من عمره· اعتاد هذا أن يأتي من الشمال متجها نحو الجنوب في خط مستقيم لا ميلان أو انحراف فيه· كان يمر بجواري في التاسعة تماما وهو يحمل فوق كتفه حمامة· لم أتمكن من معرفة سره، أو الوجهة التي يقصدها في كل صباح، أو سر تباهيه بطائره الذي لم يكن متميزا أو من أصناف الحمام النادر· قلت لنفسي بعد أن أعيتني الحيلة: .طالما أنه يسير في طريقه دون أن يزعج أحدا أو يتسبب في مشكلة ما، فما شأنكِ به، ولم تقحمي نفسكِ بأمره.!
 
يقول المصريون في أمثالهم الشعبية .ياما تحت السواهي دواهي. هذا المثل انطبق على صاحبنا الشاب! فحمامته لم تكن عادية، وإنْ بدتْ كذلك، وإنما كانت من النوع الزاجل· كان الغرض من مجيئه إلى الحي يوميا هو من أجل إرسال رسائل الحب والشوق والهيام إلى ابنة الأسرة البحرينية، التي كثيرا ما أزعجتني أصوات دجاجها وديوكها في الفجر· بدا أن الشاب متيم بالفتاة، وأن الأخيرة متيمة به أيضا، لكنهما عاجزان عن التواصل مع بعضهما البعض بالطرق العادية، بسبب النزعة المحافظة لأسرة الفتاة· علمتُ ذلك من تبادل الطرفين لإشارات صامتة بعضهما بين بيعض، ذات يوم· من تلك الإشارات علمتُ أيضا أن منزل الأسرة يخلو من هاتف أرضي، دعك من الهواتف النقالة التي اقتصرت وقتذاك على نوع ثقيل يشبه الطوب، وكان اقتناؤه مصدر تفاخر وترف·
 
أثناء متابعتي للشاب المراهق المتيم بالفتاة البحرينية وقعتْ عيناي على مشهد آخر مثير· في أرض فضاء غير بعيدة عني، كانت هناك دكان تتوسطها، دون أن تكون فوقها أو بجوارها أية أبنية أخرى وكأنها أقيمت لغرض ما قبل صرف النظر عنه· كانت الدكان تعلوها يافطة كُتب فوقها بخط رديء ( محل الدوبي بابو. (الدوبي مفردة هندية تستخدم في البحرينية الدارجة للإشارة إلى كل من يمتهن غسل الملابس وكيـّها)· كان .بابو. هذا هنديا أسمر البشرة في الثلاثينات من عمره· كان يصحو مبكرا ويعمل بجد وكد منذ ساعات الصباح الأولى حتى ساعات متأخرة من الليل، في غسل الملابس وكيـّها وطيـّها وتغليفها بأغلفة بلاستيكية شفافة، قبل تعليقها بانتظار قدوم أصحابها· خصّص .بابو. لنفسه داخل دكانه مساحة صغيرة للإقامة والطهي، مطبقا بذلك ما يفعله كل أقرانه من الوافدين الهنود، الذين يقتصدون في نفقاتهم إلى أقصى حد، كي يوفروا أكبر قدر من الأموال لإرسالها إلى ذويهم في الوطن البعيد·
 
فجأة ظهرت في حياة .بابو. امرأة عشرينية جميلة من جنسيته! دونما تفكير قلت لنفسي: يبدو أن .بابو. هذا ليس سهلا، وأنه يمتلك مواهب خارقة في اصطياد النساء وإغوائهن وإيقاعهن في شباكه· لكن توقعي لم يكن في مكانه· فالمرأة ظلت على مدى أيام وأشهر تقيم في الدكان ولا تبارحه، بل صارت تشارك .بابو. العمل وتطبخ له طعامه الهندي التقليدي· تبين لي مع مرور الأيام أني ظلمت الرجل وتسرعتُ في الحكم عليه! فالمرأة التي حسبتها صيدا ثمينا لم تكن سوى زوجته التي أتى بها من وطنه بموجب تأشيرة زيارة قانونية· ولأن تأشيرات الزيارة عادة ما تكون قصيرة ومحدودة بأشهر معدودة، فإن صاحبنا لم يكن يترك أدنى فرصة إلا ويختلي بها ويفترسها جنسيا· كنت أصغي لتأوهاتهما وهما في مخدعهما الكئيب محدود المساحة، فأطلق العيان لمخيلتي كي تتصور ما يفعلانه· كان إغلاق .بابو. لباب دكانه فجأة إشارة لبدء العملية الجنسية· وكان خروجها وجلوسها تحت أشعة الشمس، فوق كرسي خشبي أمام الدكان لتجفيف شعرها الأسود الفاحم، وتمشيطه وتزييته بالزيوت الهندية التقليدية الفواحة، إشارة إلى إتمام العملية الجنسية بنجاح، وقيامها بالاستحمام· عملية تجفيف الشعر وتمشيطه وتزييته كانت تأخذ وقتا طويلا، كان المارة أثناءها يحدقون في زوجة .بابو. ويتساءلون عن هويتها، وأسباب وجودها أمام دكان رجل عرفوه على الدوام عازبا يعيش بمفرده، ويتجنب المشاكل والقيل والقال·
 
فجأة اختفت المرأة من المشهد، فتيقنتُ أن مدة زيارتها لزوجها قد انتهت، وأنها اضطرت أنْ تفارقه وهي لا تعلم متى ستلقاه مجددا·· عاماً··عامين··أو أكثر· بعد رحيلها بفترة قصيرة غاب .بابو. أيضا عن المشهد· لقد قرر صاحب الأرض الفضاء أن يبني فوقها مجمعا سكنيا ضخما، فلم يكن أمام .بابو. المسكين سوى الرضوخ والإذعان لأمر الإجلاء الإجباري وتوديع دكانه، بل الحي كله· 

الصفحات