رواية "الطريق إلأى مكة" للروائي اليمني محمد الغربي عمران، نقرأ منها: "الحمدُ له المتعالي عن أن يكونَ لثواقب العقول والأفكار مَـــرَاسٍ لآفاق عظمته، المتجلل عن أن تعبر مختلفاتُ الألسنِ واللغاتِ عن كــُــنــْـهِ صفتِه، المتقدس عن الصفة ونفيها اللائقين بإبداعه
أنت هنا
قراءة كتاب الطريق إلى مكة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
في صباح اليوم الثالث تسرب خبرٌ من أن الإمام الملثم قد هرب ليلاً بأموال طائلة·· وأن قبائل ورجال الداعي الجديد الإمام الشريفَ قد ملأت شوارع وأزقة صنعاء وأسواقها ذعراً·· خيم الرعب على المدينة··فاحت روائح القتل والنهب والسلب والحرق·
حين خطط الملثم للتسلل والهروب خارج صَــنـْـعَــاء·· كان قد أمر عسكره الملثمين بقتل عدد من وجهاء المدينة ومشايخها بتهمة خيانتهم وتعاونهم مع أعدائه·· كان المعلم صعصعة شيخ مشايخ صَــنـْـعَــاء على رأس من أمر ملثميه بقتلهم قبل هروبه·
كنت وأمي نتوقع في كــُــلّ لحظة أن يُــكسَرَ بابُ بيتنا·· نسمعُ صرخاتٍ وعويلا·· وَقــْـعَ خطوات متلاحقة··تعكفُ أمي في بيت صلاتها·· تناجي ربها·· تكرر صلواتها·· لا أعرفُ ما أصنع·· تنصحني ألا أفكر بمواجهة مَن سيكسرون الباب·· وتتكرر أصواتُ الاستغاثات من دُور تجاورنا·· كانت المدينة قد عاشت حصاراً لأكثر من شهر ونصف قبل اقتحامها·· حينها سد السكانُ مداخلَ الشوارع والأزقة·· مات البعض جوعاً وخوفاً·
حين كنا نحتمي ببيتنا سمعت وأمي قرعَ طبول·· قالت لي: هل تسمع ما أسمع·· لقد استجاب الرب لصلواتي·· لقد نجونا!·· طلبتُ منها أن تفتحَ البابَ لنعرفَ ما يحدث·· تمنت عليَّ الحذر·· سرتُ أبحثُ عن مصدر قرع الطبول·· أناس يتبعون نافخي الأبواق وقارعي الطبول·· يسيرون ليقفوا·· يقرأ أحدهم الأمر الإمامي الجديد·· بالأمان لجميع السكان·· تحيطهم مجموعة من العسكر·· يتبعهم أناسٌ كــُـثـْـرٌ·
عُدت إلى زُقاق بيتنا·· حدثت أمي بما رأيت وسمعت·· لفت طرحتها حول رأسها·· طلبت مني مرافقتها إلى دار المعلم·· سرنا وسط خراب دُور كثيرة·· رائحة الموت والتراب·
وقفت جوار قبرالمعلم هناك جوار جذع شجرة فسحة المدخل··الحزنُ يغلف دار المعلم·· يسكنه العويل·· نساء كثر ينتحبن·· شاركتهن أمي·· أما (شــَـوْذَب) فلم تقوَ على الحديث·
قبل تسع سنوات كان هناك طفلٌ في الثامنة أرى أمه تُمسك بذراعه·· تقفُ أمامَ هذه المصطبة الحجرية·· يجلس المعلم مشغولاً بما بين يديه·· أسمع صوتها رغم ضجيج السوق:
- سلام عليك يا جار·
يرفع المعلم وجهَه مبتسماً·
- وعليك السلام يا جارة·
تتسع ابتسامته حين يرى وجهَ الطفل ملتصقاً بثوب أمه·· يبتسم الطفلُ بعينيه الصغيرتين·· قالت الأم وهت تشير إلى طفلها:
- هذا ابني أتيتُ به إليك·
هبط بنظره يتفحص ملامحَه مرة أخرى·· انكسرت عينا الطفل·· حرَّك شفتيه وقد نقل نظره إلى وجهها:
- أليس صغيراً على العمل!·