أنت هنا

قراءة كتاب الطريق إلى مكة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الطريق إلى مكة

الطريق إلى مكة

رواية "الطريق إلأى مكة" للروائي اليمني محمد الغربي عمران، نقرأ منها: "الحمدُ له المتعالي عن أن يكونَ لثواقب العقول والأفكار مَـــرَاسٍ لآفاق عظمته، المتجلل عن أن تعبر مختلفاتُ الألسنِ واللغاتِ عن كــُــنــْـهِ صفتِه، المتقدس عن الصفة ونفيها اللائقين بإبداعه

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
بيت اللــَّــه
 
 
 
حانوتُ المعلم هو الثاني بين صَفــَّــين متقابلين من حوانيت الورَّاقين·· ثم تبدأُ تشعُّـــبات سوق العطارة، لينتهيَ مع بداية سوق الطعام·· ثم الملح·· الصاغة·· البـــزَّ·· يجاورُه سوقُ السلاح·· إلى يمينه إيقاعُ مطارق الحَدَّادين المصاحبة لأصواتهم الملحونة·· وخلفه النِّحاس·· الـمَــدَر·· ساحة الخشب·· سوق البقر·· سوق العبيد·· وهكذا كنت أكتشف يــَـوْماً بعد يوم عوالمَ لم أكن قد تخيلتها في أوردة صنعاء يوماً·
 
في أول أيامي بالحانوت كان المعلم يُحَيِّرُني·· أرقبُه غارقاً بصمته·· منهمكاً في ما بين يديه·· أَنشغلُ بمراقَبة حركة المارة خارج الحانوت·· يُعيدُني صوتُه·· بعد أن يكونَ قد رفع وجهَه·· ينظرُ إليَّ مبتسماً·· لتزدادَ ابتسامةُ عينَيه·· حينها أعرفُ أنه سيتحدث: تلك الأدراج·· أَخرِجْ ما بها من رقوق وورق·· ثم أعدْ ترتيبَها· أَوْ:أعدْ ترتيبَ قناني المداد·· وأواني المخارز والإبَر·· وكذلك اليَرَاع انقلها إلى موقع آخر· ويوماً ثانياً يشير إليَّ بإصْـــبَعه: .تلك الأرفف أنزل ما بها من كُتُب·· وأعد ترتيبَها· يبتسمُ مشجعاً·· بعد أن أكمل مهمتي أتجه كالجرو الصغير أقبعُ على سطح الصندوق·· أعاود مراقبة المعلم· يــَـوْماً بعد يوم أكتشفُ بأني أستأنسه·· أتحدت مع هذا الكائن الغريب الذي أحبه·
 
حانوتُ المعلم وما تحتويه أدراجُه ورفوفه وأوعيته· أصبح عالمي ألمَمتُ بتفاصيله الصغيرة·· قوارير الأحبار·· محتويات الأرفف·· وما تحتويه تلك الأدراج من أواني الصمغ والعجين ذي الرائحة النفاذة·· خِـــباء اليراع وعِيدان الكتابة·· أوعية الإبر والمخارز والسُّيُــور·· مساحيق ملونة·· أدراج شفرات صغيرة·· خيوط··· محتويات الأدراج السفلية والصندوق الكبير·· وجدت نفسي بعد مدة جزءاً من المكان· لم تكن محتويات الحانوت تحتاجُ كــُــلَّ ذلك الترتيب، لكنها حيلة المعلم في أن ألم بكل تفاصيله الصغيرة·
 
في إحدى الليالي أصيب جسمي بحُمَىً شديدة لا أعرف سببها·· منعتني أمي من الخروج لعدة أيام·· فاجأنا المعلم بحضوره إلى منزلنا·· نهضت من أغطيتي·· احتضنني·· ثم بَعْــثــَــرَ شعرَ رأسي·· هامساً وهو يداعبُ أصابعَ كفي:
 
- يا صديقي الصغير·· لقد شعرتُ بافتقادك·
 
اعتذرت له متلعثماً·· وهو يُعيدُني بين أغطيتي·· واضعاً كفــَّــه على جبهتي·· محدثاً أمي التي لمَحتُ في عينيها أَلــَــقاً وابتسامةً رشيقةً تضيءُ ملامحَها: بعد أن يُشفى جَــوْذَر من وعكته سأعلمُه الأحرفَ ورسمَها·· وإن أتقن ذلك سأدربه على نقشَ الزخارف وتلوينها أيضا·· قد تنفعُه في قادم أيامه· ثم استدار بوجهه نحوي، وقال مداعباً: الجديرُ بي أن أتحدَّثَ إليك إن كنتَ ترغبُ بتعلــُّــمِ ذلك· ترك بعض الفاكهة ومضى·
 
بعد أيام عُدت إلى الحانوت·· يُشيرُ عليَّ بصَوته الهادئ بفتح الصندوق الذي أجلسُ عليه: أتحبُّ تعلــُّــمَ رَسْــمِ الحروف ؟

الصفحات