رواية "الطريق إلأى مكة" للروائي اليمني محمد الغربي عمران، نقرأ منها: "الحمدُ له المتعالي عن أن يكونَ لثواقب العقول والأفكار مَـــرَاسٍ لآفاق عظمته، المتجلل عن أن تعبر مختلفاتُ الألسنِ واللغاتِ عن كــُــنــْـهِ صفتِه، المتقدس عن الصفة ونفيها اللائقين بإبداعه
أنت هنا
قراءة كتاب الطريق إلى مكة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
جاءت زوجة المعلم إلى السوق·· هي المرة الأولى التي أراها فيه·· وابنتها شــَـوْذَب إلى جوارها، لتريا ما صنعت·· وقفتا أمامَ المسطبة·· تأملتا باباً جديداً·· أرففاً وخزائن من الخشب·· صندوقاً شبيهاً بذلك الصندوق الذي احترق·· تبحث عيون شــَـوْذَب عن شيء، كانت تجده كلما جاءت إلى الحانوت: صوته·· ابتسامته·· وجهه·· عينيه·· تنظر إلى مكانه الخالي·· لاحظت عينيها وقد فاضتا بالدموع·· أظهرتُ تماسكي·· لم أبكِ منذ مقتله·· اغرورقت عيناي لحظتها·· هرع البعضُ من حوانيت الوراقين المجاورة·· تجمع المارة حولنا·
حدثت أمي عن زيارة زوجة المعلم وابنتها·· قلت لها: أشعر برضا دفين حين أكون هناك·
أمسكت بيدي·· متأملةً وجهي·· رأيتُ على وجهها لأول مرة بقعاً فاقعة الحُــمْـرَة تحاصر عينيها: لا أريد أن أفقدك·· أنت سَـلـْـوَتي وكل دنيتي·· أخاف أن يقتلوك يــَـوْماً كما قتلوه·· لا أتخيل حياتي بدونك· أكملت كلماتها وقد أشاحت بعينيها بعيدا·· حتى لا أرى دمعتها، ملامح الخوف·· تعرف بأن حديثها لن يُثنيني·· وقفت تدمع صامته·· ثم اتجهت لتدخل بيت (الوهيم)·
أخترق نفسَ أزقة الأحياء التي تعودت أن أسلكها في طريقي إلى الحانوت صباح كل يوم·· أتوقع أن أراه هناك·· أفتح مصراعيه الصغيرين·· أقتعد الصندوق حيث تعودت اقتعاده طوالَ سنواتي إلى جواره في الحانوت·· أتأملُ مكانه·· تصلنا أصوات الباعة·· أقف، أمد عنقي أرفعُ نظري مترصداً صَفــَّــي الحوانيت المتلاصقة·· حركة المارة·· أتوقعُ ظهورَه في كــُــلّ لحظة من طرَف زُقاق السوق·· كما كان يظهر قادماً·· ليصعد الدكة الحَجَرية·· يخطو داخلَ الحانوت·· يجلس في زاويته تلك·· بين الجدار ومصراع الباب·· لينهمك بسن يراع·· راسماً حروفاً على صفحات جديدة·· أَوْ ناقشاً حواشي بألوان الدهشة·
اليوم ها هو ذا مكانه بارداً·· ويراعه لا تتحرك·· المداد في قنانيه راكد·· لم يعد من صوت·· أو عين تجول فيما حولها مبتسمة·· روحه·· نعم روحه حين ألتفت ألمح ظلالاً·· لا تلبث أن تتوارى·· أنفاسا لها رائحة الأمس تلفح خدي·· ملامح إنسان يخيل لي بأنه يجلس، يسألني عن حلتي·· تتماوج تقاطيع وجهه عن ابتسامة غامضة·· صوته المختلف·· أنهض·· لا أجد أحداً·· تجول عيناي في عمق زقاق الوراقين··تبحثان·· نفس رتابة الأيام·· الأصوات·· حركة الناس·· أحدهم يخرج من حانوته·· وآخر يقف يتمطى·· متسكعون يتفيئون ظلالاً شحيحة·