أنت هنا

قراءة كتاب سيرة ظل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سيرة ظل

سيرة ظل

في رواية "سيرة ظل" للروائية العراقية نضال القاضي، تبث الكاتبة السطوع في الظل أكثر من الأصل، تسيطر على أدواتها وفق مفهوم "الادارة الهندسية" من دون ان تفرط بالخيال، التاريخ في هذه الرواية التي تتبع سيرة أسرة عراقية باسلاميتها ويهوديتها ومسيحيتها وعربيتها وكرد

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
ثم جعلت أقلّب لفافة الورق، وأفكاري وخواطري في بادىء الأمر تجول في مكان آخر راحت تتداعى مع تلك الفصول التي تصلني بعائلة سطيفان، وبسلالات عاشت في أقاليم مختلفة تمتدّ على شكل كفّ نصف مضمومة تنفرج في موقع آخر مستدقة النهايات، تشبه المخالب يتجه ما يمثل السبابّة فيها إلى تجاويف متصلبة متعضلة كأنّها أذرع متقابلة تخوض اشتباكات، ينفضّ الاشتباك ويظهر العالم أكثرمن نصفه أحياء وأزقة شعبيّة أطفالها رثو الثياب يعلكون أصابعهم، نصفه الآخر وجه تملؤه ندوب، سحجات آثار طعن بالسكاكين وصفّ من ملاقط سود لاعقة تهبط تدفعها الريح فيما شريط أسود يتقدّم قرية ، يظهر الشريط من الجهة الأخرى يلفّها كعلب الهدايا ولا تظهر القرية، فإن لم تكن هي من تمدّد قبالة النهر فمن تراه ذهب ليموت هناك في حرب الثمانية أعوام؟ ذات نهار حين امتلأ بالظلام مثل تلك النهارات التي قادتني في عمائها عيون فرضت عليّ رؤية ما تريد، ما تريده هي وحسب لذا أغمضتُ عينيّ طويلا وفتحتهما على اتساعهما في داخلي وسافرت· سافرت أكثر من نصف عمري في أعماقي، غالبا ماكنت أتوقف عند مقطع في الماضي البعيد وأظلّ أجوس في أروقته هربا من حاضر كريه أو بحثا عن نقطة اختبار لبداية، دائما، تصلني بزقاق ضيّق طويل حيث يقع بيت جدّي وتتهدّل من الجهتين شناشيل، في ركن منه أتعرّف على بيت(عذاب) ولماذا (عذاب) لماذا هذا الاسم؟ لقد دأب الناس هناك على اختيار أسماء لأبنائهم مثل (زبالة)، (بزونة)، (طابوق)، ظنّا ًمنهم أنّهم بذلك يطردون عين الحاسد عنهم فتلتصق تلك الأسماء بهم لتُعْرَفَ بيوتهم فيما بعد بها وتنتسى ألقابهم الحقيقية· في عمق جانبي من ذلك الركن شكّل زاوية بالقرب من باب خشب ثقيل كان يُفتح ويُغلق بمشقة؛ لذا أهمل أصحابه أمر إغلاقه فتركوه مفتوحا إلى النصف تقريبا، هناك وفي تلك الزاوية كنت أختبىء في لعبة الغمّيضة أياّم طفولتي، قبالة الباب وفرجته الضيّقة تكشف عن امرأة تغسل كومة ملابس في صحن الدار· وفي النهار ذاته الذي كتلك النهارات التي قادتني في عمائها تلك العيون، تسلّقت تلّة طينية أحدثتها تراكمات عديدة بفعل السنين ابتلعت الزاوية وغطت الباب، حتى إنيّ حين تسلّقتُ التلّة لمستُ براحتي حافته العليا لأطلّ منها على مطموسة أثريّة، ولم أجد الزاوية ولا المرأة التي تغسل كومة الملابس في صحن الدار · في الزقاق نفسه يقع بيت الحاج هادي قيل إنّه فتح باب بيته مرّة لامرأة قصيرة بدينة كانت تتسوّل، فمدّ الرجل يده إلى جيبه ليخرج بضعة نقود معدنيّة وانشغل يقلّبها على راحته، فلمّا رفع بصره ليناولها ما قسمه الله لها وجدها وقد صارت طويلة ونحيلة فشهق الرجل وسكت· وعلى مبعدة كان بيت الإنكليزية هكذا كان الناس يتغامزون فيما بينهم ويتهامسون؛ فقد سافر رجل من ذلك الحيّ مرّة إلى إنكلترا سفرا مفاجئا وغريبا عاد منها بتلك الإنكليزية ضرّة لزوجته· لم تكن الضرّة جميلة ولا صغيرة في السنّ، قال إنّها أمسكت به من ذراعه وقالت له:أتمنى أن ألبس ثوب الزفاف· فتأسّى الرجل لها وقال: البسي العباءة أوّلا ثمّ تعالي معي إلى العراق· وفعلا كان له ذلك، لكنّ المسكينة وبعد أربعة أعوام قضتها غسّالة عجّانة خباّزة تخدم هذا وذاك عادت إلى بلادها وانقطعت أخبارها· وقيل فيما قيل أن عبرت مرّة عنزة سوداء جميلة نادت زوج الإنكليزية باسمه الصريح، بينما كان مارّاً ًبالقرب من(الطمّة) وهي أرض خربة مسيّجة بسياج طينيّ عال بمحاذاة الزقاق، فالتبس الأمر على الرجل ولبث في دارهِ أيّاما لا يبرحها· 

الصفحات