أنت هنا

قراءة كتاب سيرة ظل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سيرة ظل

سيرة ظل

في رواية "سيرة ظل" للروائية العراقية نضال القاضي، تبث الكاتبة السطوع في الظل أكثر من الأصل، تسيطر على أدواتها وفق مفهوم "الادارة الهندسية" من دون ان تفرط بالخيال، التاريخ في هذه الرواية التي تتبع سيرة أسرة عراقية باسلاميتها ويهوديتها ومسيحيتها وعربيتها وكرد

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
2
 
 وبين عامين اقتربا من بعضهما، ليسا ككل الأعوام، أحدهما عائد للقلّوخ كما ورد في كتاب الأتراك، والآخر للسلك الكهربائي الذي انتفض بين أفخاذ النسوة، كما ظهر في برج العذراء التي لم تفصح عيناها، والعقرب وقد ظلّ متربا طوال العام كما هي عادة برجه في سبْر الأماكن متخفيّا بحثا عن أماكن للتخفيّ لها اسم ورسم بعلانيّة شجرة أو حجارة أوغلتْ في فكرة دارتْ، ربّما، أو أُهمِلتْ في جمجمة ووريتْ بالرمال وبليتْ· هي فسحة بين ميتتيْن حين يُخترَق الهمّ ويحكم الاختراق من طوقهِ عليه، وتقع الأماكن في الخوف وفي إدمان حالة من الاستعداد للتعايش مع ما هو مقبول وغير مقبول، في الظلّ لما هو بادٍ للعيان وما يرادفه كالزمن مثلا إذ ْ تحتفظ خزانته بالحقائق ويبقى عنصر الإيهام قائما في الحيّز المحيط المليء بالوقائع، وفي فصل دقيق بين المظهر وآخر مُتخيّل بعنف وببطء حتىّ أقصى نقطة في الجسد، ربّما، لم تعد تنتمي إليه وقد انسحبت إلى خارج تجريبي كالتاريخ مثلا، وفي موضع مقصيّ منه قبل اختراع الكتابة ودوران العجلة، عندما فاضت عين الشمس مرّة لتُغرِقَ العالم متعرّجة على سطحه وهي تكشف في فخاخ الخوف والألم أماكن للقوّة· والأماكن نسيانات تتراكم، ومع الأيام تكوّنتْ (طمّة)· و(الطمّة)، تلك الأرض الخربة، لم تكن بحيطانها العالية وانتفاخها الطيني لترتبط بـ (أين) محدّدة بعينها أو بـ(هنا) معلومة، إنّها لايحصى ولا يعدّ من هذه وتلك· فـ(أين) التي عرفناها لا تخصّها بل تخصّنا هي باختصار مطموراتنا نحن· كنا صغارا وفجأة ظهرت مثل طود قبالتنا ونحن نحبو، بدونا كإضافة زائدة إلى كونها الذي وقفنا نتأمّله ذات مرّة في ركن من ذلك الزقاق وأصوات المارّة تقطعها، ملايين الأصوات التي لا نجد لها حدّا مهما فتّشنا، وكأنّ حبالا صوتيّة قد انفلتت تعزف فوقها ريح لانهائيّة· كم كان كونها شاسعا وكم بدونا وحيدين، ورغم ذلك لم تهزمنا المخاوف من عالمها بل على العكس أحببنا تلك المخاوف والتصقنا بحيطانها، من حيث سلك قديما درويش أخرس تناقلت الجدّات حكايته، كان حاذقا في صرف الجنّ وصنع الرقى وعمل وصفات للمحبّة وأخرى للبغضاء، تطليق الزوجة وتزويج الغريمة، تتدلّى من عنقهِ قلائد خرز وكيس من القماش أسمر يحفظ فيه كتابا عتيقا· وغالبا ما كان يُمْضي قيلولتهُ على تخت في إحدى المقاهي، فإذا انقلب إلى اليمين أو إلى الشمال انحرفت عن رأسه (جراويته)· هي ليست (جراوية) لأنه لم يكن بغداديا ولا هي كوفية، لأنّ الكوفيّة عربية وملامحه لا تدلّ على ذلك· المهمّ أنّها غطاء رأس وحسب، والأهمّ من ذلك ماذا تحت الغطاء؟ جحافل من القمل جرّتهُ مرّة إلى حمّام السوق فطرده (الحمّمجي) عندما رآى تلك العصابات تسفّ في رأسه، ولولا أن تدخّل أهل المحلّة بقليل وكثير من(العيني والأغاتي والخطيّة والمروّة) ماكان ليدوس عتبة الحمّام في حياته· بقيت قصّة من أين جاء وكيف ومتى شغْل من لا شغل له من جلاّس المقاهي الذين راحت مخيّلتهم تضيف وتتفنّن في الإضافات، وهي تستدعي أوّل ظهور له في المحلّة مذ شوهدت قدمان تتدليّان من على سياج الطمّة ظلّتا تتدلّيان وتتدّليان حتّى بدأ باقي الجسم بالظهور عن رجل ضئيل التكوين بدا ضائعا بسرواله العريض وقميصه الطويل، كان رأسه كبيرا بالنسبة إلى جسمه وبعينين غائرتين وشفتين رفيعتين وقد تدلّتْ من عنقه قلائد الخرز وكيس القماش الأسمر، ومن جيب جانبيّ في سرواله برزت حافة(مداس) نسائي، إلاّ أنّهُ وعلى الرغم من مرور أعوام طويلة على نزوله من الطمّة؛ فقد ظلّتْ الطمّة محتفظة بانتفاخها الطينيّ النافر كحبلى تمدّدتْ للتوّ بانتظار أن تضع آخرَ· 

الصفحات