يرحل زيد الشهيد في مؤلفه الروائيّ (أفراس الأعوام) بقطار الشعريّة إعتماداً على لغة ثريّة منطلقاً من أواخر خمسينيّات القرن العشرين عائداً إلى عشرينيّاته ليواكب حركة بطله وهو يرى الأحداث الّتي تعصف ببلده العراق إبتداءً من ثورة العشرين ومجيء الحكم الملكيّ الذي
أنت هنا
قراءة كتاب افراس الاعوام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
(1)
ها هو جعفر حسن درجال قد بلغَ الستين·· وما يحدثُ أمامه ضحى هذا اليوم الثامن من آب 1959 من هرجٍ ومرج، وفوضى لا تُطاق في محاولة الفوز بكرسي أو منضدة أو مزهرية أو شمعة تعليق الملابس أو ستارة نافذة أو مروحة سقفية أو منضدية أو··· أو···· أو····· تلك الأشياء التي أبيح نهبها من مقر (اتحاد الشعب) الواجهة الأمامية للحزب الشيوعي في مدينة السماوة، حيث انتظر الكثيرون ممّن يرون فيه تهديماً للدين وتفتيتاً للمجتمع لحظة الانقضاض عليه وسرقة محتوياته، بعدما تشمَّموا رائحةَ انفضاض الحكومة عنه وإصدار المرجعيات الدينية فتاوى بحلّه وحضرِ نشاطِه بشعار الشيوعية كفرٌ وإلحاد ما يحدث أمامه الآن أعاده إلى ذلك الفجر الفضي الداكن لليوم الخامس من تموز من العام 1917·
فمع أولى نسائم الفجر لذلك اليوم، وعلى غير ما يتوقع، أبصرَ عنصر الجندرمة المنتصب عند باب سراي قائمقامية السماوة المطلّةُ بنايتُها على نهرِ الفرات في ساعة حراسته، حفنةَ مسلحين يتبعهم حشدٌ من أفرادٍ يتقدمون باتجاهِ مخزن المؤن الواقع جوار مبنى السراي، حيث تُخزن أكياس الدقيق والسكر والتمر وعلب السمن ذخيرةَ المدينة، مثلما هي تموين لدعم المقاتلين المجاهدين، الذين يتدفقون تلك الأيام ويتم استقبالهم وهم يتجهون جنوباً لمقاتلة الإنكليز الذين تجاوزت قواتهم لواء المنتفك / الناصرية، بعدما احتلت البصرة والشعيبة وتقدمت حتى صارت أصواتُ مدفعيتهم تُسمع من بعيد، وهي تتقدم نحو السماوة، داكةً في طريقها سدوداً وموانعَ صنعتها الحكومة العثمانية فلم تصمد طويلاً·
انتصب الجندرمة مستنفِراً صوتَه الحازم:
- إلى أين؟!·· ما الذي تريدون فعله؟
لم يأتهِ ردٌّ· فقط دنا المسلحون أكثر من الباب الخشبي الموصد بثلاثة أقفال مُحكمة· توقَّفوا عنده، وراحوا بمساعدةِ زمرة رجال قدموا معهم يجهدون في كسر الأقفال وسط دهشة وغضب الحارس· انخلع القفلُ الأول من وسط الباب ثم تلاه القفل الذي في الأسفل، لكن الثالث في الأعلى ظل عصيا عليهم؛ إذ بدا أبعد من أن تطاله أيديهم بيسر·· تحرك أحدهم يبحث عن حجر أو صندوق يعتليه ليسهل كسر القفل العصي· وسرعان ما لاح لهم كرسي كاتب العرائض الذي يتخذ من جدار المخزن ميداناً لعمله·