أنت هنا

قراءة كتاب سابع ايام الخلق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سابع ايام الخلق

سابع ايام الخلق

سابع ايام الخلق ـ هي احدى أهم روايات عبد الخالق الركابي وهي ملحمة روائية عراقية تستحق احتفالية خاصة نساها النقد في الخارج ولم يتعرض لها احد كما لو ان الركابي متهم بإرتكاب جريمة العيش في وطن تقلصت حدوده الى مجرد كرسي متحرك يعيش ويكتب ويحلم داخله ويحاكم الازم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3
فتساءلتْ مستنكرة:
 
- أي حبيب أول وقد سبقتْ روايتك تلك مجموعة شعرية وثلاث روايات فضلاً عن مجموعة قصص قصيرة؟!
 
وعاد ذلك الشعور بالفخر يداعب غروي دون لبس؛ فقد بدا من الواضح أنني بإزاء متابعة - لعلها معجبة! - لمؤلفاتي مجتمعة؛ فأجبتها متهرباً من ذكر السبب الوحيد الذي دفعني لاستعارة المخطوط:
 
- لكنها أول رواية كتبتها عن مدينة (الأسلاف)·    
 
والحق أن مدير المتحف (بدر فرهود الطارش) هو الذي كان يقف وراء هذا الأمر؛ فقد كان من حسن حظي أن بات مغرماً بروايتي (الراووق) التي كانت السبب المباشر لتوثق علاقة أحدنا بالآخر؛ فقبلها لم تكن معرفتنا تتخطى تبادل تحيات عابرة كنا نصطنع خلالها البرود واللامبالاة، وكل منا - لكوننا شخصين مشهورين في نطاق المدينة! - ينتظر أن يبدأ الآخر بالتنازل ضامناً بذلك لنفسه المرتبة الأولى من الأهمية، وقد اضطرتني الظروف إلى أن أبدأ بذلك؛ فاتصلت به ذات يوم هاتفياً، فإذا بنبرة صوته في السماعة تشي بدهشته من ذلك الاتصال، فسارعتُ إلى إخباره بأنني مقبل على تنفيذ مشروع روائي قد أخرج منه بأكثر من رواية، فقاطعني متمنياً لي بإيجاز النجاح مفصحاً بصمته المفاجئ عن أن الأمر لا يعنيه مما اضطرني إلى أن أوضح له، بأكثر الطرق لباقة، أن موضوع ذلك المشروع الروائي على شيء من الحساسية؛ ذلك لأنني سأتتبع به أناساً من مدينة (الأسلاف) لا يزال بعضهم أحياء، واحتفظت لنفسي بسر كونه الوحيد الذي كان لا بد لي من استئذانه من هؤلاء (الناس) قبل المضي في مشروعي إلى غايته، لكنه، بذكائه الذي عُرف به، كان قد أدرك من فوره دوافعي؛ فقد تدفقتْ حيوية مفاجئة في صوته، فصاح بشكل اضطرني إلى إبعاد السماعة قليلاً عن أذني:
 
- حسن·· حسن·· الآن عرفتُ سر اتصالك هذا؛ إذ يبدو أنك ستدخل شخصي المتواضع في روايتك تلك؛ مما يدفع بك بالتالي إلى نفض الغبار عن الأحداث القديمة وبضمنها بطبيعة الحال تلك الشائعة التي رافقت مولدي، والتي عززتها زرقة عينيّ···
 
فقاطعته وقد هالتني صراحته:
 
- اطمئن يا أستاذ؛ ذلك لأنني لم أتخطَ بعد الأعوام التي سبقت ولادتك - أي زمن المرحوم والدك - وعلى كل حال سأكون حريصاً على عدم المساس بالمشاعر، فضلاً عن أنني، وتحسباً من أي إحراج، سأطلق أسماء مستعارة على الأشخاص الذين قد يؤدي ذكرهم صراحة إلى حصول تبعات·· خذ صاحبك (شبيب طاهر الغياث) مثلاً؛ فقد أسميته باسم (وثيج لازم)·    
 
فصاح بعدما صرّت في السماعة ضحكته:
 
- (شبيب طاهر)·· (وثيج لازم)·· فعيل فاعل·· أنهما على الوزن نفسه!·· اسمع·· من المؤكد أن فعيل فاعل·· أعني (شبيب طاهر) سيُجنّ إنْ ذكرتَ اسمه الحقيقي في روايتك·· وقد (يعملها) فيطالبك بدفع تعويض، ليس بالنقود، بل بأفظع صور (الفصل) عشائرية؛ وهي التعويض بثلاث بنات (جدميه) و(تلويه) و(مجفوته)·· نعم·· قد يطبق ذلك حرفياً؛ ذلك لأنه رجل صعب المراس، أما عن نفسي··    
 
وصمت لحظات قبل أن يتابع بمنتهى الجدية:
 
-·· اطمئن؛ فأنا، كما لا شك أنك سمعتَ عني، آخر من يقلقه التشهير وكشف الأسرار وما شابه من أمور تدفع بعض الروائيين إلى حماية أنفسهم بالادعاء، في الصفحات الأول من رواياتهم، أن كل ما يرد فيها من أسماء وأحداث من صنع الخيال·· اطلقْ لقلمك الحرية كلها في ما يتعلق بي بادئاً بذكر اسمي الحقيقي واسم أبي·· دعْ (بدر فرهود الطارش) - وهو كما ترى اسم غير شاعري قد يثير النفور - يتحرك خلال كلماتك دون قناع؛ فأنا رجل أعشقُ حقائق التاريخ، فأطلقني في روايتك بعلاتي وجنوني وسوء السمعة التي رافقتْ مولدي دون ذنب مني، وبغيرها من أمور لا اشتريها بفلس أحمر، لا بل بدينار أزرق - فالفلس اختفى من التداول الآن - دعني أرَ نفسي كما جُبلتُ عليها، وامنحني وهم الإحساس بالخلود؛ فكل ما دون ذلك زائل وقبض ريح!
 
وحققتُ ما أراده؛ فأظهرتُ أباه (فرهود) على حقيقته· وفي النسخة التي أهديتها إليه من (الراووق) بعد طبعها كتبتُ كما أتذكر جيداً: (إلى الأستاذ بدر فرهود الطارش·· دون رتوش أو·· حياء!) وهو إهداء أضحكه حتى امتلأت عيناه بالدموع·
 
منذ ذلك اليوم تعززتْ علاقتنا، وتطورت تحياتنا العابرة إلى زيارات من قبلي كنتُ أقوم بها إلى غرفته في المتحف حيث ما من مرة طالعني فيها بعينيه الزرقاوين من خلف مكتبه إلا كرر عبارة عتاب غدتْ كاللازمة:
 
ـ كان عليكَ، يوم اتصلتَ بي هاتفياً، أن تخبرني باختيارك مخطوط (الراووق) موضوعاً لروايتك عوضاً عن طلب الإذن والأسماء المستعارة وما أشبه؛ لأنني حينها كنتُ سأكشف لك أموراً على جانب كبير من الخطورة والأهمية تتعلق بأسرار مخطوط (الراووق)!
 
وقد حاولتُ أكثر من مرة استدراجه ليكشف لي تلك الأسرار، لكنه كان يتهرب بلباقة منوهاً بطريقة، كانت تترك غصة في قلبي، أنني فوّتُ على نفسي فرصة لا تعوّض، حتى إذا ما طبعتُ رواية (قبل أن يحلّق الباشق) التي أُتابع فيها مصائر معظم شخصيات روايتي السابقة، فوجئتُ بـ(بدر فرهود الطارش) يزورني في بيتي راجياً إياي، لحظة فتحي الباب له، ألا أعامله بـ(الرسميات)؛ فكل ما قدم من أجله هو أن يرى هذا البيت الذي شهدتْ جدرانه (ولادة) أكثر من رواية عن مدينة (الأسلاف)·    
 
وأضاف وهو يجيل حوله نظرات عطشى:
 
- وهو بيت سمعت عن عراقة طرازه الكثير حتى أنني أفكر في صنع نموذج له سيحتل، مع نماذج بيوت أخرى تمثّل أطوار فن العمارة في مدينتنا، واحداً من أهم أجنحة المتحف المستحدثة·
 
فطمأنته إلى أن كوني أعيش وحدي لا يقتضي الالتزام بأية رسميات، فاتخذ من كلامي ذاك (جواز مرور) دفع به إلى أن يتقدمني خلال الردهة القصيرة التي يطل عليها باب (الديوخانة) المهملة منذ أعوام· واستدرنا يساراً داخلين الحوش حيث كانت العصافير في ذروة صخبها بين أغصان السدرة الهرمة التي توجت شمس العصر ذروتها بوهجها·

الصفحات