أنت هنا

قراءة كتاب سابع ايام الخلق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سابع ايام الخلق

سابع ايام الخلق

سابع ايام الخلق ـ هي احدى أهم روايات عبد الخالق الركابي وهي ملحمة روائية عراقية تستحق احتفالية خاصة نساها النقد في الخارج ولم يتعرض لها احد كما لو ان الركابي متهم بإرتكاب جريمة العيش في وطن تقلصت حدوده الى مجرد كرسي متحرك يعيش ويكتب ويحلم داخله ويحاكم الازم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9
- أستاذ؟!
 
تساءل شبيب مستنكراً، وقد خفّض عينيه، متأملاً دشداشته و(كالتيه)، متلمساً بأنامله الطاقية التي تعلو رأسه· فتابع بدر الهجوم، وقد اكتشف من فوره نقطة الضعف في خصمه؛ إذ إنه كان يعدّ كل من يقف في طريق طموحه في إنشاء المتحف المنتظر خصماً:
 
- نعم·· مؤكد أستاذ·· بل إنك تفضل أساتذة المدينة كلهم ثقافة ومعرفة؛ فمن يضاهيك في عدد ما قرأتَ من كتب؟ ولكن ما العمل؟ فنحن في بلد تُقيّم الثقافة فيه بالسترة والبنطال وربطة العنق لا بما في الرأس!
 
بهت شبيب بإزاء هذا الإطراء غير المتوقع؛ فقد اعتاد أن تكون (ثقافته) تلك مصدر انتقاد الآخرين·
 
ومضى بدر قدماً نحو غايته:
 
- وسأجعل منك أستاذاً بالرغم من أنوف الأستاذة مجتمعين·· أتسمع؟ أما هذا المبلغ البسيط··        
 
وانقض بدر على كف شبيب ليدس فيها الأوراق النقدية، مطبقاً عليها أصابعه وهو يقول:
 
-·· فاحسبه قسطاً مدفوعاً من مرتبك القادم!
 
أخذ بعدها يزيّن له الأمر مؤكداً أنه حرّ في الاحتفاظ بكتبه في بيته، بل في وسعه إعادة المجموعة التي أخذها منه·
 
-·· كل ما هنالك هو أنني سأستعير·· نعم·· إنها مفردة موفقة·· احسب أنني أخذت كتبك على سبيل (الاستعارة) من أجل تكوين مكتبة للمتحف ستغدو أنت أميناً لها في يوم من الأيام!
 
فتساءل شبيب دهشاً:
 
- أمين مكتبة؟
 
- نعم يا أستاذ·· ومنْ غيرك يصلح لوظيفة من هذا النوع؟ أما الشهادات·· فدعنا منها··      سأبعث بك إلى عشرات الدورات بل المئات إن تطلب الأمر·· بل·· بل سأشتري لك الشهادة·· نعم·· فحتى الشهادات تُشترى!
 
فلم يملك شبيب إلا أن يتساءل مستنكراً من جديد:
 
- ولكن أين هي المكتبة التي ستجعلني أميناً لها؟!
 
فأجابه بدر وهو ينقر بسبابته على جبينه:
 
- المكتبة والمتحف موجودان هنا في رأسي، أما وجودهما هناك··
 
وأردف وهو يومئ نحو باب الغرفة المفتوح على ساحة القلعة الغاصّة بمئات التماثيل والقطع الآثارية والعيّنات الأُخرى المبعثرة كيفما اتفق تحت ضوء الشمس:
 
-·· فمسألة وقت!
 
وهو وقت طال كثيراً، واستوعب أعمار أجيال قبل أن ينتصب بناء المتحف فوق (تل الأربعين)· لكن المكتبة - أو بالأحرى تلك الخزانات الخشبية التي اُستبدلت بها فيما بعد خزانات حديدية - بقيت النواة التي تكوّن منها المتحف؛ فلإدراك بدر باستحالة التعامل مع الكتب تعامله مع العيّنات الآثارية الأُخرى التي كان يكتفي بترقيمها وإدخالها مع مواصفاتها في سجلاته ذات النسختين، لتخزن العينات نفسها كيفما اتفق، كان لا بد له - بعد حصوله على كتب شبيب - من أن يولي المكتبة الأهمية القصوى: فحين الانتهاء من بناء أولى القاعات احتلت تلك الخزانات الصدارة فيها، لكنها سرعان ما نُقلت إلى جناح آخر تم بناؤه· وهكذا بقيت المكتبة تنتقل من موقع إلى آخر بحسب تطور الأبنية وتشابكها، لكنها بقيت في جميع المراحل تحتل الموقع الأفضل والأكثر علواً·
 
وكان بدر يسوّغ حرصه ذاك بقوله:
 
- المكتبة تمثّل العقل؛ فيجب أن توضع في أفضل القاعات وأعلاها، شأن موقع الرأس في جسد الإنسان!
 
ولم تستقر المكتبة في موضعها النهائي إلا حينما تم تشييد المرفق الأخير· وكانت محتويات المكتبة قد نمت واتسعت وتعددت بما أضاف إليها بدر من آلاف الكتب والمخطوطات على امتداد سنوات طوال بالشكل الذي كان لا بد من أن تحتل ذلك المرفق بكامله· وعلى كل حال يبقى ذلك المرفق هو أصغر مرافق المتحف؛ فعلى الرغم من أن تلك الأبنية والطبقات كانت تُشيّد على فترات متباعدة بحسب مزاج بدر المشفوع بخليط من عبقرية وجنون، لكنها كانت تُختزل كلما ارتقت عالياً تبعاً للحكمة التي ابتكرها بدر:

الصفحات