أنت هنا

قراءة كتاب سابع ايام الخلق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سابع ايام الخلق

سابع ايام الخلق

سابع ايام الخلق ـ هي احدى أهم روايات عبد الخالق الركابي وهي ملحمة روائية عراقية تستحق احتفالية خاصة نساها النقد في الخارج ولم يتعرض لها احد كما لو ان الركابي متهم بإرتكاب جريمة العيش في وطن تقلصت حدوده الى مجرد كرسي متحرك يعيش ويكتب ويحلم داخله ويحاكم الازم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
وحينما صارحتُ (بدر) بأفكاري تلك سارع في النهوض ليلتقط كتاب (محافظة الأسلاف في ماضيها وحاضرها) وعاد يجلس في موضعه ليتصفحه، حتى إذا ما وقع على الصفحة المنشودة انحنى فوقها وقد ضيّق عينيه شأن من اعتاد القراءة من خلال عدستي نظارة، ليقرأ بعسر العبارة الآتية:
 
- (مثلما كان المخطوط أشبه بحجر أُلقي في بركة الزمن، فأخذت الدوائر في الاتساع بمرور الأعوام، كانت القلعة هي البؤرة التي نمت عنها مدينة الأسلاف على مدى قرون)·    
 
وعلّق وقد أطبق الكتاب متأمّلاً إياي بنظرة انتصار:
 
- أخشى أنك يا أستاذ تردد أقوال شبيب بشكل من الأشكال؛ والدليل على ذلك كون كتابه هو الوحيد الموضوع في متناول يدك!
 
إنها ملاحظة على قسوتها لم تزعجني كثيراً؛ فقد بات من تقاليد المدينة إجلال شبيب طاهر الغياث ملقبين إياه بـ(عبقري الأسلاف)، هذا اللقب الذي استحقه عن جدارة؛ فبرغم أنه لم يتخرج في جامعة ما - فتحصيله الدراسي لم يتخط تلك الدروس التي أخذها خلال فترة قصيرة على يد (ممدوح أفندي)، أول معلم شامي في تاريخ المدينة، فضلاً عن دورات في تنظيم المكتبات اجتازها فيما بعد لا من أجل أن يستفيد منها قدر أن يستند إلى شهاداتها وهو يترقى في سلكه الوظيفي في مكتبة المتحف ليغدو في آخر الأمر أميناً لها - وبرغم أنه لم يؤلف سوى كتابه المذكور سلفاً، بيد أنه ما من طالب (ماجستير) أو (دكتوراه) من أبناء المدينة لم يستعن به في كل ما يمت إلى التصوف والتاريخ بصلة، حتى غدا ذلك الأمر طرفة اعتاد مثقفونا تداولها عن كون شبيب يقف خلف كل سطر خطته أقلام حملة تلك الأطروحات برغم خلو فهارسها من أي ذكر لاسمه!
 
- قد أكون أردد أقوال شبيب، لا ضير في ذلك؛ فلولا أهمية دوره في تاريخ المدينة أكنتُ أجعل منه باسم وثيج لازم واحداً من أهم شخصيات روايتيّ الأخيرتين؟
 
أجبتُ مسلّماً بالأمر الواقع، فعلق بدر بنبرة لا تخلو من حسد:
 
- لقد كرّستَ له أغلب صفحات تينك الروايتين - ولاسيما (الراووق) - متتبعاً دقائق حياته منذ ليلة مولده حتى إسهامه في أحداث ثورة العشرين!
 
وسارع يضيف، محاولاً تلافي فلتة لسانه، مكرراً عبارة العتاب التي بقي يلاحقني بها على مدى أعوام:
 
- كان عليك، يوم اتصلتَ بي هاتفياً قبل الشروع في مشروعك الروائي عن الأسلاف، أن تخبرني باختيار مخطوط (الراووق) موضوعاً لروايتك·
 
ولم تكن بي حاجة، هذه المرة، إلى استدراجه ليكشف لي الأسرار المتعلقة بذلك المخطوط؛ فها هي الظروف وقد وضعته في موقف لا بد له معه من المضي في الإفصاح عن معنى (لغزه) ذاك، وذلك ما حدث فعلاً؛ فبعد لحظات تردد وإحجام حسم أمره في النهاية قائلاً:
 
- اسمع·· سأكشف لك سراً·· أو بالأحرى سأخبرك بوجود سر، تاركاً لصاحب الشأن كشف دقائقه إنْ راق له الأمر بطبيعة الحال!
 
وتابع وهو ينقر على غلاف كتاب (محافظة الأسلاف):
 
- أنت تعلم بالتأكيد، شأن مثقفي البلدة كلهم، أن (شبيب) قضى أعواماً عديدة في تحقيق مخطوط (الراووق)··    
 
فقاطعته وقد فاض بي الفضول:
 
- لكن ما يدهشني هو سر امتناعه عن طبع ذلك المخطوط بعدما أكمل تحقيقه!
 
- ذلك لأنه اكتشف متأخراً أنه يحقق نصاً داخله الكثير من الزيف والتحريف، بل إنه يخلو من أهم الفصول التي كتبها (السيد نور) والتي كانت النواة التي نما حولها المخطوط!
 
- ماذا تقول؟!
 
صحتُ وقد نسيت نفسي؛ فأحداث المخطوط كانت قد غدت ضرباً من المسلّمات التي يستحيل أن يتطرق إليها الشك، فأجابني بدر وهو يبتسم عن أسنان سوّد الدخان منابتها:
 
- كما قلت لك· وقد بلغ ذلك التحريف والتزييف حداً من الشيوع بات من العسير فضحه؛ ذلك لأنه تحول بمرور الزمن إلى حقائق راسخة دفعتْ بك، مثلاً، إلى اعتمادها في كتابة روايتيك ولاسيما (الراووق)!
 
- وما هي تلك الحقائق التي حرّفتْ وزيّفتْ إلى هذا الحد؟
 
وعاد بدر يتلجلج في كلامه، ليقول في آخر الأمر في محاولة مكشوفة لتلافي فلتة لسانه الثانية:
 
- سيبقى شبيب هو الأجدر بكشف تلك الحقائق إنْ استطعتَ إقناعه·· بالمناسبة·· إنه لا يقلّ عني إعجاباً بروايتك، بل إنه تمنى عليك لو أنك سميّتَ (وثيج لازم) باسمه الحقيقي·· قال لي بدهائه المعروف: كان على الروائي ألا يخشى ذكر الأسماء الحقيقية لأناس لم تشب ماضيهم شائبة مادام قد عمد إلى ذلك مع (ناس) - وهي مفردة يعنيني أنا بها بطبيعة الحال! - لهم ماضٍ (مصخّم)!

الصفحات