سابع ايام الخلق ـ هي احدى أهم روايات عبد الخالق الركابي وهي ملحمة روائية عراقية تستحق احتفالية خاصة نساها النقد في الخارج ولم يتعرض لها احد كما لو ان الركابي متهم بإرتكاب جريمة العيش في وطن تقلصت حدوده الى مجرد كرسي متحرك يعيش ويكتب ويحلم داخله ويحاكم الازم
أنت هنا
قراءة كتاب سابع ايام الخلق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
وبقي مرور الزمن يزيد (شبيب) تعلقاً بكتبه تلك، غير مدرك أن مضي عشرين عاماً على إطلاق سراحه سيفرز مواقف جديدة لم تكن بالحسبان: فقد تشعبتْ أسرته ونمت بولادة الأطفال وترعرعهم، ونشبت حرب عالمية ثانية جعلت الحصول على لقمة الخبز المخلوطة بمسحوق نوى التمر ونشارة الخشب ليس بالأمر اليسير؛ فأخذت زوجة شبيب ترمق تلك الكتب بنظرة عداء مكشوف، بل غدت تجرؤ على مجابهة زوجها بقولها:
- حينما تزوجتك لم أكن أعرف أنك خلال أشهر ستجلب لي (ضرّة) تتمثل بهذه الكتب!
وصادف في تلك الفترة أن عاد بدر فرهود الطارش من بغداد بعد اغتراب دام أعواماً، فشرع من فوره في تأسيس مشروعه الذي لم يلاق مشروع مثله الاستهجان والاستنكار؛ فبرغم أن العوز دفع أسراً كثيرة إلى الحضيض، فأخذت تمتهن الشحاذة، لكن (بدر) كان يُسرف في تبذير النقود على شراء كل ما يمت إلى تاريخ مدينة (الأسلاف) بصلة من أجل أن يؤسس المتحف· وكان يجابه كلمات الامتعاض بقوله:
- ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، سيأتي اليوم الذي ستشكرونني فيه على ما أقوم به من أجلكم!
كان بدر منذ ذلك الزمن قد منّى نفسه بالحصول على كتب ممدوح أفندي، كان يقول لمن يدرك أنه سيوصل كلامه إلى شبيب:
- ليس من حق الرجل الاحتفاظ بتلك الكتب؛ ذلك لأنها جزء مهم من تراث المدينة·
وحين لم يجد أذناً صاغية جازف في لقاء شبيب شخصياً برغم تحذير الكثيرين إياه منه، وصارحه برغبته في شراء تلك الكتب لقاء المبلغ الذي يرضيه، لكن (شبيب) لم يتنازل بالرد عليه، بل اكتفى بأن لسعه بنظرة احتقار - إذ أنّى لشاب في الخامسة والعشرين من عمره مثل بدر يحيط أصله وثروته الكثير من الشكوك والهمس، والأنكى من ذلك أن الجميع يطلقون عليه لقب (المدلل)، أنى له أن يُجابه رجلاً مثله أسهم في أحداث ثورة العشرين؟! - لكن (بدر) لم ينهزم، واكتفى بتغيير (تكتيكه)؛ فأخذ يجنّد مبعوثين يتمثلون بأقارب شبيب وجيرانه ليؤثروا على زوجته في ذلك، مرسخاً في الأذهان، منذ تلك الأيام، طابع العناد الذي عُرف به؛ ذلك لأنه حين يستقر رأيه على أمر ما لا بد من تنفيذه!
وهكذا صُعق شبيب طاهر الغياث، حين عودته في أحد الأيام إلى بيته، بخلو إحدى خزانات مكتبته من الكتب· وقبل أن يعمد إلى سؤال أطفاله عن أمهم جاءته صفقة ثوب تعلن عن موضعها، فارتقى السلم بكل رويّة وهدوء برغم أنه كان يغلي غضباً· وواجه زوجته فوق السطح، وثمة قطع ملابس مبلولة تخفق بينهما على حبل الغسيل:
- اسمعي يا امرأة·· برغم أنني لم أتورط معك في مشادة حقيقية يتخللها الضرب والصفع على مدى عشرين عاماً مرّ على زواجنا، لكن تأكدي أنني سأطلّقك اليوم إن لم تعرفي سر امتهاني لكرامتي بملاحقتك بهذا الشكل المهين إلى السطح!
فالتقطت (المرأة) من (الطشت) المركون بين قدميها ثوباً بالغتْ في عصره إلى حد التمزق، حتى إذا ما صفقته في الهواء، وألقته على الحبل، أخذت تتمتم بكلمات غير مترابطة:
- ما العمل؟ فالأطفال عرايا وجوعى·· وهناك الحرب·· والطحين المغشوش لا يوزع إلا بالتموين····
فقاطعها شبيب ببرود جعل المرأة تجفل:
- أهو بدر فرهود الطارش؟
فعادت تواصل نواحها:
- ومن المؤكد أن الكتب لا تؤكل·· فهناك الشاي·· والسكر··· والزيت····
وأسرّ شبيب لنفسه وقد أخذ جسده يرتجف غضباً:
- إنه (المدلل) إذن!