رواية "مدينة لا تخرج من البيت" الصادرة عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» لللكاتب والتشكيلي الفلسطيني محمد السمهوري، هي رواية تقترب من الفانتازيا لتتحدث عن بُعدين تاريخي ورمزي، حيث يحكي الكاتب قصة مدينة يقرر زعيمها حشرها في البيت، ليتناول فيها الأحداث ببع
أنت هنا
قراءة كتاب مدينة لا تخرج من البيت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
1
آخر أيام ياسمين وبشارة في المدينة كانت صاخبة، لم يتفرقا، كانا يتحدثان بكل تفاصيل ما بعد الخروج، ترسم أحلامها بالكلمات، تخطها على قصاصات ورق وتلصقها بجانب خريطة البيت المعلقة على الجدار، أما هو فيشرد في تفكيره نحو البعيد، مكان لا زعيمَ حاقداً فيه، يبني البيت الذي رسمته ياسمين، يربي الورد، وينجب المزيد من الطيور، يريد كل ما حوله فضاء أرضاً وسماء، يريد أن يتنفس كل الهواء ويزفره من جديد، يريد أن يفرغ كل كلمة في كتاب شعر قرأه على جدران منزله الجديد، يكتبها أفقية وعمودية، يجعل من جدران بيته لوحة من الكلمات التي كانت تؤنس وحدته في المكتبة·· ينجيه الشعر دائما من ثقل دم الكتب الدسمة، كان يكفي أن يقرأ مقطعاً واحداً في ديوان شعر ليعيد إليه بريقه وثقته بالحياة، ابتسامته المعهودة أمام زملائه ورواد المكتبة·
في بداية الحجر على المدينة دخلت الشرطة تنتظرها سيارات كبيرة أسفل البنايات تجمع الكتب وتستبدلها بالكتاب الذي أوصى به الزعيم، قادوا كل الكتب التي جمعوها إلى المحرقة، غطت سماء المدينة في ذلك النهار سحب سود أدت إلى اختناق السكان، وسببت حزناً لن ينسى·
بشارة لا يريد شيئاً من ماضيه، كل شيء حصل معه في الماضي مسألة لا يريد تكرارها، اكتفى من كل شيء· إلا من ياسمين، كان يشعر بأنهما ولدا ليكونا معا·
كانا فرحين يتعانقان حتى أثناء تبول أحدهما في الحمام، حبل سري ربط مصير عاشقين معا، حين يعطش يشرب ماءها، يقبل كل شيء فيها، يشعر أن ياسمين عوضته عن حرمان الماضي، خفة دمها، ذكاؤها المتقد، طيبة قلبها، استيعابها له، كما لو أنها أنجبته، مرات ينام بحضنها كأنها تلك الشجرة التي يسند ظهره إليها، ومرات تتكور في حضنه ملتصقة به، بعينين مفتوحتين كما الغزال حين ينام، تثيره في كل حركة، ينفضان قليلا، ليعودا من جديد جسدين في واحد، تدور فيه الدورة الدموية، من القلب ذاته، واحد يكمل في الآخر سر العشق والحياة، حياتهما سوف تتغير معا، كان حين يحضنها، يقول لها: شكرا للمصادفة، جئنا لبعضنا في الوقت والساعة المناسبين، تتمتم هي عبارات تلهب فيه ما تبقى من عاطفة، يشعر أنه شمع يسيل من على أطرافها·· نارها تنتصف ذوبانه·
تغير الكثير من سلوكهما في الأيام الأخيرة، لم يعد الأكل يهمهما، صار كل واحد منهما غذاءً للآخر، يأكل فاكهتها، كأنه تاه على جزيرة بعيدة، لا يوجد فيها سوى الفاكهة، تشبع ياسمين من لذة يتركها عارمة في جسدها، كأنه يجدد سر وجودها، يدفعها إلى الطيران، تقوى وهي تحك جناحين كانا معطلين، لا تقوى على الكلام يحب ريقها، تنتصب حلمتاها البنيتان، تستسلم لإكسير الحياة في جسد يضاء منه القمر·