تدور رواية "صخب ونساء وكاتب مغمور" للروائي علي بدر حول عالم صاخب من النساء والفنانين والشعراء المزيفين الذين يتجمعون في استوديو صغير في بغداد، حيث تدور أحداث حياة الكاتب المغمور الذي يحلم بكتابة رواية يحصل من خلالها على المال والجوائز والنساء، ونتعرف من خلا
أنت هنا
قراءة كتاب صخب ونساء وكاتب مغمور
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
أطلق ضحكة في الفضاء، ثم انحنى على كأسه وشربها دفعة واحدة، وصب جام غضبه على الذين صنعوا لنا هزيمتنا مرة أخرى، وهم ببساطة: الصيارفة في العواصم البعيدة، وعابدو اللذات، والفاسقون في المواخير، والعاهرات في الملاهي، والنشالون في شارع الرشيد، واللصوص، والمرتشون، وأبناء الكلب، وما لا أدري أيضا··· ولكن هنالك:
الممالقون والمسايرون، ومدعو الحكم، والطائفيون، والجهويون، والمتجهمون، والكارهون، والسياسيون المحترفون، والمخبرون، والحزبيون المتعصبون، والمتدينون المذهبيون، وأصحاب التحيزات التي ضربت على هواها بالناس جميعا، ومع ذلك لا أحد يمكنه أن يتحدث عن هذا·· فمن كل الذين عرفتهم، لم يكن أحد منهم ينظر بصورة معدلة إلى التحيزات التي جعلت من العقول خواء، بل جعلتهم مثل القردة والسعادين يتأرجحون على حبل، وكنت أدرك جيداً بأنهم مثل الموجة من السهل أن تقوم بإثارتها ودحرجتها على أقدام تمثال، غير أنها ستنحسر بشكل فوري ولن يبقى منها غير الزبد والقاذورات·
ثم قال بصوت أجش، وعن حكمة أيضا:
إن السفر جعل عقول العراقيين خواء·· لقد أصبحوا عبيداً طائعين، فهم يذهبون مع من يغريهم بالمال والكنوز والخمور إلى آخر الدنيا، ولكن لو صادفوا في الطريق دجالاً أو متعصباً أو نبياً زائفاً·· فإنهم سيتركون من أجله كل شيء ويعيشون على زاده حتى إذا كان هذا الزاد من الإحسان والعصافير
هذا التحوير لهذه الجملة اللورنسية المنفية في كل واحد منا، جملة أعمدة الحكمة السبعة وقد تحورت قليلاً لتشملنا طبعاً، أو لتتخصص بنا على نحو أوضح، هي التي أعادتني ذلك اليوم إلى التفكير بالأيام التي قضيتها في الأستوديو الصغير بالكرادة، حينما أردت أن أهاجر إلى المغرب، إلى التفكير بوليد وعباس وتمارى وبي أنا كاتب الروايات المغمور·
ولكن من منا كان يدرك أن الهجرة هي واحدة من هذه الخيارات التي تتعمق عبر إرادة داخلية لا تهددها الأخطار·· لقد كانت خاضعة بصرامة لتيقظ حسي، وإلى خيال، وإلى شغف بالضرورات الأكثر عمقاً مثل الأبهة والترف والاستثنائي، وقد أصبحت من جهة أخرى ختماً للحتمية العالمية التي تطبع عصرنا، فالمهاجرون والمنفيون واللاجئون والمشردون والمقتلعون هم الذين يشكلون هذا المشهد وفي كل مكان، وإن هذه الحتمية هي ليست دجلا تافها أو حيلة إبليس إنما هي لغة تصويرية لعالم مهدد بالانفجار، لعالم لم يعد يؤمن بالخرائط المحبرة على الورق، كنت أنظر لأصدقاء كثيرين قتلوا ·· أو أعدموا من قبل السلطات لأنهم تجاوزوا الحدود·· يا إلهي ما هي الحدود·· الحدود ببساطة هو هذا الخط المحبر على الورق·· الخط الوهمي الذي يفصل(نا) عن(هم)، والنا والهم هنا ضروريتان للسلطات فقط، أما نحن الذين كنا نختنق بالخط الوهمي في الخريطة والذي يلتف على أعناقنا مثل حبل·· لم تكن مهمة على الإطلاق·