أنت هنا

قراءة كتاب صخب ونساء وكاتب مغمور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صخب ونساء وكاتب مغمور

صخب ونساء وكاتب مغمور

تدور رواية "صخب ونساء وكاتب مغمور" للروائي علي بدر حول عالم صاخب من النساء والفنانين والشعراء المزيفين الذين يتجمعون في استوديو صغير في بغداد، حيث تدور أحداث حياة الكاتب المغمور الذي يحلم بكتابة رواية يحصل من خلالها على المال والجوائز والنساء، ونتعرف من خلا

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
ربما تدرك معنى هذه الجملة كما تدرك حديث النافورة البيضاء وهي تغرد في الظلام طويلاً، تغرد وسط أجمة صغيرة وحولها دغل وشجر كثيف· تدرك بأن هذا الأستوديو لم يكن يوماً شيئاً كبيراً، ولا قصراً فارهاً، ولا كنزاً، ولا أي شيء من هذا القبيل، وإنه لم يكتسب معناه إلا من الثعالب الذين تشمموا زواياه، وحتى حين وهبني إياه لم يكن جدي متشنجاً أو متحجراً بل قالها دون أن يتحرك أو يرتجف، قالها وهو يتثاءب، فقد كان شيئاً تافهاً، وما زاد من وضاعته هو إني لم أستطع في الوقت الضروري سكنه، ولا حتى بعد أن توفي جدي، وقد كنت إبان ذاك جندياً في الجبهة، ولو قلت لأمي مثلاً وحاولت أن أقنعها بسكنه وأنا أعزب، للطمت وجهها وقالت:
 
يبوه ·· شلون·· موعيب تريد تسكن الشقة وانت ازكرتي؟
 
والكلمة الأخيرة وإن كانت تعني أعزب، إلا أنها تتجاوزها وتفيض عنها، فهذه الكلمة وحدها كافية لتطلق خيال حتى من تبلد خياله بشكل تلقائي على سائر المشاهد الجنسية المتوقعة وغير المتوقعة، وستبزغ وسط تكاثف الدخان الكثيف والرائحة المخمرة مشاهد السكر والعربدة وصخب الأصدقاء وفوضاهم، وقد بقيت هذه الصورة رغم طراوتها تلح بحضورها على ذهني طالما كنت أسكن في ذلك الوقت، أثناء إجازاتي الدورية، حجرة في الطابق الفوقاني من بيت أهلي، ولم أفكر على الإطلاق بسكن الشقة وحدي، فقد كان هذا الأمر في ذلك الوقت مستبعداً، ولم أشعر بأنه أمر بغيض، لا·· لا ·· أبداً، ومع ذلك لم أجد هذا الأمر ساحراً على نحو خاص، أو مبهجاً، ولكنه كان قادراً على إطلاق فعاليات خيالي إلى أقصاها، وبعيون شبه مغمضة كان يمكنني أن أنتقل وسط تثاقل الأحداث إلى اصطفاق الأبواب في الليل، وإلى صمت الحائط وهو يجذبني بنبض حجره الهادئ، وإلى فانوس في الرصيف يرتجف فوق المياه الساكنة مثل سراج منسي، كنت أذهب في الفراغ إلى باقة زهر يابسة هناك وإلى فتاة عابثة في رواحها الهادئ، وإلى ضجيج منفرد يمكن أن تحدثه قبلات الليل، وربما سأشعر بهذه الفعالية القروية الساذجة وهي تنام وسط الغيمة، ولكني بعد انتهاء الحرب، اكتشفت كم كنت ساذجاً، بل أكثر سذاجة من الجنود الآخرين الذين كنت أترفع عليهم بواقعيتي وفلسفتي المحترفة، وهذا ما سأرويه هنا، سأروي لا سيرة ذاتية منتحلة إنما بالأحرى رواية منتحلة عن الثعالب التي خرجت في الربيع الوردي·
 
تحولات الجندي إلى كاتب
 
لم أشهد أي شيء مما كنت أفكر به من قبل، أبداً·· فبعد أن انتهت الحرب وبدأ الحصار تغيرت الأمور كثيراً·

الصفحات