أنت هنا

قراءة كتاب الساحلية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الساحلية

الساحلية

رواية "الساحلية"؛ نقرأ منها: وحيدين نقطع الطرق الملتوية بين الأزقة الضيقة الى حيث لا تخبرني  نوارة.. كنت أوزع النقود على الفقراء في البيوت الآيلة للسقوط التي نقصدها، أربطها في صرة قماش مشجرة، أطرق الأبواب، وأتركها معلقة على مقابضها ونختفي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
أخذت أتساءل··
 
هل ما شاهدته من بصمات وأدلة هي بقايا تنصيبٍ ملكيٍّ مبجل أم هي طقوس الرحيل إلى بقعة بعيدة، عصية على الذاكرة التي لم تعد بكراً ؟ صحيح أن جسدها يغيب عن المكان ولكن رائحتها اللزجة تشاكس عفن الخرابة·
 
أخاف أن تخطفني إلى مملكتها السماوية· تستطيع أن تفعلها وهي متربعة على كرسيها السحري· أخاف أن تنتقم مني وتعاقبني بسبب ترددي في قبول دعوتها المريبة· وكطفلٍ صغير تبولت في ثيابي من غير شعور· اكتشفت أن الخرابة تحولت إلى جهنم مصغرة· تيقنت بأن الإمبراطورة غاضبة وفي طريقها الحتمي للانتقام· تخيلتها تستلُّ جسدي وتحرقه ثم تعيده فحمة هشة·
 
هرولت كما لم أهرول في حياتي قط·· مثلما كنت أفعل في طفولتي·· رافعاً ثوبي وعقده حول خاصرتي·· تاركاً العنان لساقيّ كي تسابقا الريح· ركضت بجنون المسافة القصيرة حتى بيت العائلة· طلتي المروعة فضّت اجتماع العائلة الإسبوعي· كلهم موجودون، الإخوة، الأخوال والخالات، يجترون خلافاتهم في جلسة مسائية مملة· انبهروا وهم يشاهدونني لأول مرة في حالة مجنونة يرثى لها· لا أدري ماذا حدث بعد ذلك؛ فقد فقدت الشعور بالزمان والمكان وسقطت مغشياً علي·
 
تلك الحادثة لم تكن البداية· لم أجرؤ على إخبارهم بالحقيقة ليقيني بأنهم لن يصدقوا حكايتي· كلمة واحدة وسأجدهم يودعونني- دون أدنى تردد - مصحة الأمراض العقلية· أعرفهم جيداً ولست بجاهلٍ عن شعور بعضهم تجاه بعض، وتجاهي خاصة·
 
تظاهرت بفقد الوعي لكي أفكر في سبب آخر غير الحقيقة يقشع غيم المفاجأة المذهلة عن قلوبهم الحاقدة· كنت، رغم همي، أحاول الهروب من خلق مشكلة جديدة تضاف إلى قائمة متاعبي معهم، ويجب علي أن أنجح هذه المرة حتى لا تتضاعف مصيبتي· أخيراً وجدتها في خوفي المعتق من الكلاب· هذا هو الحل·· هربت من أنياب أحدهم· سأدعي بأنه دهمني في أول الزقاق وهربت منه بالكاد ولم يتركني إلا في آخر لحظة ليلحق بقطة شيرازية سمعها تموء بشهوانية· أعرف جيداً بأنه عذر سخيف سيكشف أخي الأكبر هشاشته عندما ينظر مباشرة في عيني، كما يفعل دائماً عندما يريد التأكد من صحة أقوالي بعد عراك في الحي أو تأخير عن موعد العودة المدرسية أو المسائية للبيت·
 
أصبحت في حالة تتأرجح بين الصحو والغيبوبة· أنظر إلى الجماعة وهم يتفحصون جسدي بتمعن· أيقظوني بصعوبة بعد أن وضعوا تحت أنفي قطعة قطنية مبللة بعطر نسائي رخيص تتطيب به أمي بعد خروجها من المطبخ·
 
كانوا حولي يشكلون دائرة خانقة، أمي الخائفة على حالي، وأبي الحانق على ضعفي، وإخوتي المتفاوتو المشاعر بين قلقهم على حالي وعدم مبالاتهم، وامرأتان من الجيران هرعتا في الحال عندماأطلقت أمي عويلاً انتحارياً أشبه بنعي الموتى لحظة سقوطي·
 
كنت خائفاً من التبريرات، لذلك اكتفيت بالصمت ورحت أحدق فيهم بتوتر· كانوا يتكلمون بانزعاج يشتت ما بقي في ذهني من بقايا الحلم / الوهم· إشتدت نبرة أصواتهم حتى وصلت لدرجة الصراخ الشديد بحيث أفقدني حاسة السمع بعد ذلك· أرى شفاههم تقذف كلمات صارخة لكنها لا تخترق طبلة الأذن·
 
أحسست بإمبراطورة الليل ترفرف فوق رؤوس الجميع· عندما اتسعت الدائرة من حولي، نظرت إلى السماء فوجدتها تتربع متكئة بيد على كرسيها الطائر في الهواء، وتحرك باليد الأخرى مروحة يدوية مذهبة صوب وجهي· أحسست بهواء بارد له فعل الطمأنينة في قلبي· كانت تأمرني بالإشارة أن أطبق فمي وأصمت· كان ذلك مستحيلاً على المدى الطويل· ثم قدرت هي على هذا المستحيل بأن أنزلت يديها المطاطيتين وسكبت سائلاً لزجاً في فمي يضاهي برودة المروحة ليهدئ من روعي· سمعتهم يحمدون الله على سكينتي· نظرت إلى السماء مجدداً فرأيت إمبراطورة الليل وهي تستعد لطقوس الرحيل المقيت·
 
·· ليتهم ينظرون معي
 
·· استدرجتهم
 
استدرجت الأغبياء لمصيدتي وجعلتهم يصوبون نظراتهم إلى السماء، تماماً حيث أنظر ويستغربون· أيقنت بأنهم من فئة المغضوب عليهم ولا يستطيعون رؤيتها مثلي· تركوني وشأني لدرجة أن أحداً منهم - على كثرة عددهم - لم يتطوع ليسألني عن نظراتي التائهة· رأيت على وجوههم الشك والريبة فأشحت وجهي حتى أتفادى سهامهم المسمومة·

الصفحات