أنت هنا

قراءة كتاب ثالوث وتعويذة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ثالوث وتعويذة

ثالوث وتعويذة

بين اللاشعور وأعماق الوعيّ الوجودي تحاول الكاتبة العمانية زوينة الكلباني من خلال روايتها "ثالوث وتعويذة" رسم لوحة مشبعة بالألم الداخلي الذي يتغلغل في الذات الإنسانية، ومحاولة البحث عن ماهية الوجود من خلال التعمق في إشكالية ظلت مستعصية منذ الحقبة الأولى للوج

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
تقدم من المضيفة قائلا في أدبٍ عالٍ:
 
- لا بأس، بغيّر مكاني مع الأخت··· !
 
لا خيار أمامي، جلس الرجل مكاني تكلله تعاويذي وصلواتي·· لقد قدّم نفسه قربانًا لهواجسي·· !! فشكرت مروءته ممتنة، ثم تهالكت على كرسيه··
 
الطائرة تتهادى على المدرج والمضيفة ترحب بالركاب، وعلى الشاشة عرض لأمور السلامة··· خيل إليَّ للحظات أن مخالب الرقم تتناسل وتستطيل كأذرع الإخطبوط تلتف حول عنقي وتغتالني، لكأن الطائرة تحلق على تضاريس أوجاعي وترتفع بامتداد جروحي، فتواريت في مقبرة الصمت···
 
داهمني شعور بالذنب تجاه الرجل، وأشفقت عليه أن تقصفه لعنة الرقم، استحضرتُ تعويذتي··· قرأت آية الكرسي، والمعوذتين، وجزءًا من سورة ياسين، وسألت الله بعظمة كل حرف من حروف هذه السورة أن يحفظه بألا يمسه مكروه·
 
أفقت وأنا ألهث مرددة تعاويذي، ما أشبهني بالساحرة التي تحمل مكنسة لتطهير المكان من الطاقة السلبية!
 
وحين استقرت الطائرة في السماء، سكنت روحي معها وقرّت·· جاءتني إحدى المضيفات تجر عربتها الصغيرة، اخترتُ عصير برتقال كأني أريد أن أزود نفسي بفيتامين (C) تأهبًا لمواجهة البرد والجليد··
 
أصلحتُ وضع الكرسي وأرخيتُ رأسي·· دفن الرجل وجهه في روايته·· يسبح في فلسفة زوربا حول الحياة والأحياء·· يبدو أنه من الصنف الذي ينسجم في القراءة فلا يحس بما يدور حوله·· شاهدت الرواية في السينما، قصة زوربا ورقصته الشهيرة ما تزالان عالقتين بذاكرتي·
 
وعاد الحزن يشاكسني، يدس أنفه في روحي، ويسجد في محراب ذاكرتي·· غصة تعتريني ودمعة تتلألأ في عيني أغالبها جاهدة، ذكَّرت نفسي بالوعد الذي قطعته وأنا أحزم أمتعتي، أن أغلق صندوق ذاكرتي وألقيه خارج ذاتي، وأعيش العشرة أيام القادمة بطولها وعرضها في تصالح تام مع الحياة··· كل شيء يمكن إخفاؤه ومداراته إلا الأسى يفضح صاحبه··
 
هزات المطبات الهوائية المتفاوتة الحدة طوال الرحلة والقلق الذي ارتسم على وجوه الركاب أسهما في تشتيت الوساوس التي تملكتني··
 
التفتُ إلى الرجل أطمئن عليه، إنه ما يزال حيًّا مسكونًا بالسلام··· لمحني فابتسم وأرسل تسبيلة "تطيح الطير من السماء"، كما كان يردد جارنا أبو راشد كلما سنحت له الفرصة لاستعراض مغامراته وغرامياته···
 
صوت المضيفة يقطع حبال الصمت الملتفة على الوجوه، علينا ربط الأحزمة ستهبط الطائرة في مطار هيثرو بعد دقائق··
 
داهمتني أسئلة الغريب التي يخبئها في جوف حقيبته وارتطمت بمخاوفي·· فارتعدتْ أوصالي، الأمور اللوجستية كإجراءات التأشيرة والجواز والبحث عن الأمتعة تربكني وأضيق ذرعًا بها···
 
يعود صوت المضيفة معلنًا درجة الحرارة في الخارج·· ابتدرني الرجل مبتسمًا:
 
- الحمد لله على السلامة·
 
وبآلية محضة رددت تحيته·· لاح في ذهني أن ألازمه، أفسح لي المكان لأتقدم وساعدني على حمل أمتعتي المتناثرة- النبل والشهامة ما يزالان على قيد الحياة - لم تخطئ فراستي فيه··· قدم الرجل نفسه بود :
 
- اسمي سعود·

الصفحات