أنت هنا

قراءة كتاب ثالوث وتعويذة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ثالوث وتعويذة

ثالوث وتعويذة

بين اللاشعور وأعماق الوعيّ الوجودي تحاول الكاتبة العمانية زوينة الكلباني من خلال روايتها "ثالوث وتعويذة" رسم لوحة مشبعة بالألم الداخلي الذي يتغلغل في الذات الإنسانية، ومحاولة البحث عن ماهية الوجود من خلال التعمق في إشكالية ظلت مستعصية منذ الحقبة الأولى للوج

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
كانت النظرة تكفي ليعرف أحدهما ما يدور في ذهن الآخر·· أحبها زوجها لدرجة كبيرة واعتمد عليها في كل شاردة وواردة في حياته··· بدءًا من الحذاء الذي ينتعله وانتهاء بالعطر الفرنسي والعود الكمبودي الذي يفوح منه·· هي من اختارت نوع سيارته ولونها ورقمها·· تحل مشاكله في العمل، وتنتقي الأغاني التي يسمعها·· كانت سعيدة بذلك وهي تمارس دور الزوجة والأم والحبيبة، ولكن هيهات - ففي لحظة مجللة بضباب الغيب اختطفه الموت إثر حادث أليم تعرض له وهو قادم من دبي: انفجر إطار السيارة فاصطدم بشاحنة كبيرة·· عاشت بعدها على شجو ذكرياته التي امتزجت بدمها وروحها·· وبقيت طوال هذه الأعوام تتباهى برفات حب حنطته في ذاكرتها··· ما زالت تُحيي ذكرى وفاته في كل عام بطريقتها الخاصة··· تجزل الصدقات في ذلك اليوم برًّا به وتـؤدي العمرة عنه، وتذكِّر إخوانه وأخواته قائلة:
 
- لا تنسوا الدعاء للغالي وقراءة القرآن على روحه
 
كرّست حياتها بعده للدراسة والعمل·· كانت تتوق لطفل منه، ولكنها حكمة الله ولا راد لقضائه·· هذا ما تردده دومًا، وبعد وفاة زوجها لم تتحمل البقاء في المنزل نفرت منه·· تقول:
 
- كل شيء كان في حالة حداد !المكان الذي جمعنا وضم أحلى الذكريات وأجمل اللحظات خلع عليه الموت عتمة ووحشة وانفعالات قلقة··· حتى المقتنيات الفنية، والصور، واللوحات التي جمعناها سويًّا باتت تؤرقني وتقض عليَّ مضجعي·· يا لسخرية الحياة العظمى!!الروح التي كانت بالأمس تحييني وتبث الحياة في داخلي·· أصبحت شبحًا يشاكسني وأفرُّ منه!! لم أستطع البقاء في المنزل فهجرت ذكرياتي·· !
 
شرعت صديقتي تثرثر وتسوق لي أخبارها، وبين الفينة والأخرى تردد كلمات الترحيب وتبثني أشواقها·· أحبج موت، اشتقتلج موت عبارات تعودت سماعها من فطوم·· ولطالما تساءلت معها عن سر هذا التشابك وهذه العلاقة الضدية التي جمعت بين الحب والموت، فالحب في عذوبته وسحره ورقته منتهى الغايات، والشوق في جماله وروعته رسالة، إنهما قصة الحياة وماء الفرح·· كيف التقيا بنقيضهما الموت وهو نذير شؤم·· رمز الفناء والعدم والشجن·· !!
 
ركبنا المصعد·· توقف في الدور السادس، انحرفت فاطمة نحو ممر طويل جهة اليسار، ثم أخرجت مفتاحًا من حقيبتها، وضعته برفق في الباب، وأدارته في الثقب·· اصطدمت عيناي بلوحة معدنية مثبتة وسط الباب تحمل ذات الرقم (3) بكل تفاصيله وملامحه، يعترض طريقي مرة أخرى، ويقتحم شرفات ذاكرتي عنوة، أحس به ينهش روحي ويخربش وجهي، النار تشتعل بين ضلوعي، تُلهب المخاوف والوساوس الخامدة، تراجعت قليلا إلى الوراء كمن يتأهب للفرار من أذى وشيك، جسمي يرتعش·· وخفقات قلبي تتضاعف·· وثمة صرخة مكتومة تلح عليَّ·· فتحتْ فاطمة الباب الموصد، ثم دعتني إلى الدخول مرددة كلمات الترحيب:
 
- مرحبا الساع بالغالية·
 
لم أحرّك ساكنًا، بقيتُ متسمرة مكاني، أحاول التوازن، عيناي مثبتتان بالرقم، جامدتان جمود من يتأمل جثة·· ضربتان على الرأس توجعان إنه أمر لا أستطيع احتماله، لقد سقتُ نفسي إلى حتفي، قلق يزيد ولا يفتر، وجزع يتضاعف ولا يضعف! وخوف صنعته أوهامي البائسة وخيباتي وانكساراتي المتوالية!!

الصفحات