بين اللاشعور وأعماق الوعيّ الوجودي تحاول الكاتبة العمانية زوينة الكلباني من خلال روايتها "ثالوث وتعويذة" رسم لوحة مشبعة بالألم الداخلي الذي يتغلغل في الذات الإنسانية، ومحاولة البحث عن ماهية الوجود من خلال التعمق في إشكالية ظلت مستعصية منذ الحقبة الأولى للوج
أنت هنا
قراءة كتاب ثالوث وتعويذة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
(2)
ما زال التوتر والقلق يعتصرانني من الداخل ويثقلان جسدي، مغص شديد يقطع أحشائي··· تناولتُ مسكنًا·· دقائق وعادت فطوم من السوبر ماركت محملة بأكياس مختلفة، أودعت بعضها في الثلاجة، ثم اقتربت مني مازحة وهي تضع يدها على كتفي:
- نورة، شسويتي(4) بسعود؟!عشر مرات يكلمني ما عنده رَمْسَه(5) غيرج·· الظاهر الولد طَبّ ولا أحد سمّى عليه! نازل فيج غزل قال عنج كلاس، وتنحبين على طول، ولج جاذبية عجيبة، وعلى فكرة بنتعشى جميع(6) اليوم·
لم ترُقني فكرة العشاء مع سعود ولم يطربني رأيه، لكنني لم أظهر انزعاجي·· ولم أبدِ اعتراضًا··· حاولت جاهدة الضغط على أعصابي والتظاهر بالتماسك والجلد·· ونزع القلق والارتباك المتجذر في خلاياي··· أعلنتُ لفاطمة رغبتي في الإقامة بفندق·· فثارت محتجة وعاتبتني، وأقسمت أن أبقى لديها، وبعينين متوسلتين رجوتها طويلا حتى وافقتني مضطرة·
إن الخوف الذي تخندق في أعماقي جعلني أرجوحة لا تستقر أبدًا، وجل ما أخشاه أن يمضي بي إلى طريقين لا ثالث لهما :الجنون أو الموت!!
حملتُ حقيبتي وانسحبت من المكان مديرة ظهري لرقم طالما أفزعني وأقض مضجعي·· كان الأمر صعبًا، أمشي بغير هدى، قدماي تخبطان ببعضهما بعضًا بطريقة عشوائية وفي حركة غير منتظمة··
عبرنا الطريق إلى الرصيف المقابل، يبدو الضباب كثيفًا، له وجوه وعيون متباينة الأشكال والأحجام··· تشق عباب الجو كالسفن المثقلة بحمولتها··، ابتعدتُ عن بؤرة التوتر·· كم من عبرة وزفرة وأنة وحسرة أطلقتها من تداعيات الرقم ومباغتاته القذرة··· قادتني فاطمة إلى فندق على بعد أمتار فقط من شقتها، اخترتُ غرفة تحمل رقم (7) إنه رقمي المتزن الذي يمنحني الكثير من الهدوء والسكينة··· تنازلتُ عن شروطي السابقة، لم تعد الفخامة تعنيني فقط الإحساس بالأمان·· كانت الغرفة نظيفة ومرتبة نوعًا ما·
حاولت الاعتذار عن العشاء من فاطمة ولم أستطع·· لقد خضت معركة طويلة وضارية مع نفسي؛ لأتهيأ للخروج معهما··
سرنا في شارع (اجوارود) أحد شوارع لندن الشهيرة بطابعها العربي المميز·· دخلا مطعمًا سوريًّا، فشعرتُ بالامتعاض·· قدمتُ إلى لندن هروبًا من كُلِ ما هو عربي، فإذا بي وجهًا لوجه أمام الحمص والتبولة والفتوش والمشاوي الشامية، أُحِسُّ بالغثيان كرِهتُ هذا المطعم وازدادت كراهيتي له حينما أخذ العرب يتقاطرون·· أحسستُ كأنني في بيروت أو القاهرة···
شغلتُ نفسي بمراقبة سعود، وكأني أحفر ملامحه في ذاكرتي·· بدا أكثرَ وسامةً وهو يثرثر مع خالته يتكلمان بسرعة ويضحكان كثيرًا، وبين الفينة والأخرى يلتفتُ إليَّ يستحثني على المشاركة في الحديث، شرعتْ (فطوم) تسرد له طريقة تعارفنا في ندوة ببيروت لمدة خمسة أيام، فكلانا يعمل في مجال الخدمة الاجتماعية ببلاده، ومن يومها علاقتنا مستمرة، اتصالات ورسائل، التقينا في بيروت كثيرًا، وتجمعنا فيها ذكريات جميلة··
استحضرتْ فاطمة ماريتا، وذكرتني بصحبتها الجميلة، إنها صديقة لبنانية مارونية مسبحتها لا تفارق أناملها تصلي وتهب بركات طقوسها لمن حولها·· طاهرة كالعذراء، ونقية كملاك، كانت تشبهني وفطوم بترنيمة الميلاد·· جميلة هي كالحلم !
قيل إنها هاجرت مع ابنتها، ولم تترك لها عنوانًا!