بين اللاشعور وأعماق الوعيّ الوجودي تحاول الكاتبة العمانية زوينة الكلباني من خلال روايتها "ثالوث وتعويذة" رسم لوحة مشبعة بالألم الداخلي الذي يتغلغل في الذات الإنسانية، ومحاولة البحث عن ماهية الوجود من خلال التعمق في إشكالية ظلت مستعصية منذ الحقبة الأولى للوج
أنت هنا
قراءة كتاب ثالوث وتعويذة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
جرت فاطمة حقيبتي إلى الداخل، وباستغراب تأملتني :
- نورة حبيبتي يبدو أنك مرهقة، تفضلي بالدخول؟!
أمسكت بيدي وسحبتني إلى الداخل، أناملي ترتعش بين يديها·· ضغطتْ على أصابعي بقوة·· وباليد الأخرى أسندتني·· وهي تردد:
- الرحلة طويلة لا شك أنه تعب السفر!
وفي انكسار بل انهيار عميق، ألقيت بنفسي على أول أريكة صادفتني، قرأتُ في عيني صديقتي رعبًا شديدًا، كانت حائرة لا تدري كيف تتصرف معي، أدارت التدفئة الحرارية·· توجهت إلى غرفتها مسرعة وأخرجت بطانية دثرتني بها، وهي تقول:
- شتاء لندن قاسٍ·· والبرد في الخارج قارس!
قالت كلاما كثيرًا لستُ أسمعه، فقط كنت أرى شفتين تلتقيان ثم تبتعدان، ويدين تتحركان يمينًا وشمالا·· إني ألهث كأنني عدوتُ مسافات لا نهاية لها! أتأمل الشقة لونها، وقطع أثاثها، وإكسسواراتها·· كل شيء بعيني يبدو مخيفًا وبلون الرماد··· !!!
نذر شرٍّ مريعة تلوح في فضاء المكان·· !!
شعرتُ برأسي يثقل إلى الدرجة التي قد يتدحرج فيها إلى الأرض، اقتربت فاطمة مني وضعت يدها على شعري، فجفلتُ بقوة، وانتصبتُ واقفة·· هدأتْ من روعي وقادتني إلى غرفة مجاورة:
- يا حيااااتي يبدو أنك متعبة ارتاحي قليلا·
ألقيتُ بنفسي على السرير، تناولتُ شالي طويته على عينيَّ وربطتهما بقوة وسددتُ أذنيَّ بوسادتين··· تكورتُ على نفسي، ضامة ركبتي إلى صدري كجنين في بطن أمه·· قلق يهوي بمطارق الوجع على صفائح كياني؛ ارتميتُ إثره بكل هشاشة في إغفاءة·· ولأول مرة يتحالف النوم مع قلقي واضطرابي·
كابوس يعاودني بين الحين والآخر يقض عليَّ مضجعي·· يشلُّ حركتي، أحاول الصراخ لا أستطيع·· أنفاسي شبه متقطعة، لا أقوى على النهوض هناك من يحاول عرقلة حركتي وشلها، جثث تحيط بي··· أقاوم وأقاوم، أفقتُ على صوت أنيني العالي·· أجاهد في كبح جماح الرعب الكامن في داخلي فيأبى·· أخذتني نوبة بكاء حادة، بكيتُ طويلا، بكيتُ الطفلة في داخلي، وأشفيتُ غليلي بما سكبته من أسراب الدموع!
فتحتُ النافذة فلفحتني نسمة هواء باردة، ألقيتُ نظرة إلى الخارج بلا مبالاة، وعدتُ إلى حقيبتي أخرجت مصحفًا صغيرًا·· قرأت جزأين من القرآن الكريم وبعض الأذكار، لأخفف من قساوة الذكريات وحدة الزوابع المشتعلة بضراوة في داخلي·· بعدها سألتُ الله أن يمنحني الأمان والسلام··
ثمة رجفة بسيطة ما تزال في يديّ وارتعاش بسيط في شفتيَّ، هذه حالي كلما توترت أعصابي أو داهمتني بعض عقدي، وعادت ذاكرتي المثقوبة كغربال تسقط صورًا متباينة أمام عينيَّ، أغبط من لا ذاكرة له، يقال إن السمك بلا ذاكرة
طافت بذهني ذكريات بعيدة أجدها مريرة من بينها تجوالي في أثناء نومي كما حدثوني وأنا طفلة كنت أغادر سريري، أجوبُ المكان·· أقوم ببعض الأعمال بلا وعي كفتح خزانة ملابسي وترتيبها، وفي الصباح تخبرني جدتي بما فعلت، أشعر بدهشة شديدة لأنني لا أذكر شيئًا مما حدث، قالت لي يومًا إنها ظلت تراقبني من بعيد، كنت أتفادى الاصطدام بقطع الأثاث التي قد تعرقل خط سيري، وأحيانًا كثيرة كنت أرد على أسئلتها بإجابات مقتضبة·
وجدتني جدتي ذات يومٍ متسوِّرة جدار السطح، بعدها اتخذت بعض الإجراءات الأمنية الصارمة من باب الحذر كربط قدميّ بحبل في عمود السرير، أخبرتني أنني كنتُ أفكُّ ربطة الحبل بدقة متناهية، وأسير في نومي بطريقة آلية وعينايّ مفتوحتان·· مكثت على هذه الحال طوال فترة الطفولة، وعندما دخلتُ طور المراهقة توقفت من تلقاء ذاتها·· لم أؤمن يومًا بشيء اسمه الطب النفسي، كنت أعدُّ أصحابه مجرد باعة كلام بحاجة إلى العلاج أكثر من مرضاهم!·