يتناول الباحث العراقي حسن كريم عاتي في كتابه هذا دراسة نقدية لرواية "سابع أيام الخلق" للكاتب عبد الخالق الركابي؛ وتعتبر هذه الدراسة قيمة جدًا على المستويين الكمي والنوعي، لهذا المنجز الروائي، لما يمتاز به من خصائص فنية على مستوى البناء والسرد، وكذلك لإستثم
أنت هنا
قراءة كتاب أثر الزمن في خلق البنية الدلالية في رواية سابع أيام الخلق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

أثر الزمن في خلق البنية الدلالية في رواية سابع أيام الخلق
الصفحة رقم: 3
التمهيد
شكل الزمن منذ بدء الوعي به أحد المعضلات العصية على الحل؛ فهو لا يأبه بالأفراد أو بالمجتمعات، وسيره حثيث باتجاه مغاير لسلوك الأشياء، فكان تقسيمه إلى زمن اللحظة المعاشة، وزمن لحظة غادرت لتوها، وزمن لحظة آتية، فكانت (الآن) نقطة تماس تلك اللحظات، وبتراكمها حين تنصرم تخلق تاريخ الأشياء التي أتفق عرفاً عليه أنه (الماضي)، والذي يمثل التيار المعاكس لخط سيرنا الذي يمخر عباب الزمن الآتي (المستقبل) مستفيداً من لحظة التماس بينهما وهو (الحاضر)· وبذلك يتشكل وعينا بالزمن عبر تقسيمه وإيجاد وسائل اصطلاحية تساعدنا على فهمه ومن ثم إدراكه، ليخلق ذلك الفهم والإدراك الوعي به·
غير أن ذلك الوعي، الذي يخلق الرؤيا المتشكلة به وبالأشياء التي تتحرك فيه، أسير وعي جمعي في جانب منه خلقه التراكم الكمي والنوعي لاحتمال الصواب والخطأ في فهمه، وأسير وعي فردي يخلقه التأمل فيه ثانياً؛ فكان تنوع الرؤى وتناقضها في فهمه غير قادرة على حرث أرضه، فتركت برغم المحاولات الكثيرة، دون اطمئنان من إمكانية استنبات أفكارنا فيه لتثمر يقيناً، يدفع بنا بعيداً عن احتمال الصواب والخطأ· فكان ـ الزمن ـ بذلك أرضاً بكرا يصلح دوماً لادعاء إمكانية إعلان ابتكاراتنا فيه دون ادعاء الريادة في ذلك· وهو ما دفع (بالقديس أوغسطين) إلى القول: إن لم يسألني أحد عنه، أعرفه· أما أن أشرحه فلا أستطيع(2)· فكانت سهولة النظر فيه مغرية لولوج عالم عصيّ على الإمساك، علّ العود يكون أحمد بما يشفي الغليل من ظمأ سكن الوعي الفردي والجمعي منذ بدء تشكل ذلك الوعي·
فقد ذهب (أرسطو) إلى تحديد مفهوم الزمن عبر تحديد أجزائه بقوله: إن الأجزاء التي يتألف منها الزمان: أحدها كان ولم يعد بعد موجوداً، والثاني لم يأت بعد، والثالث لا يمكن الإمساك به، فأجزاؤه إعدام ثلاثة(3)· ينتهي إلى أن الزمن يستحيل أن يشارك في الوجود لاتصافه بالعدم· غير أن أثره يبدو جلياً حين يرتبط بالحركة ويكون بالإمكان معرفة ماهيته· ذلك التصور الذي يتفق مع فلسفة العلوم وإن اختلف معها في طبيعة تلك الحركة، حيث ذهبت النظرية النسبية، التي شكلت الأثر الأكبر في خلق التصور الفكري عن الزمن في فلسفة العلوم الحديثة إلى أنه لا مكان بالقول بالزمان المطلق لأن الزمان يختلف من نظام مرجعي إلى آخر، تبعاً لكون هذا النظام المرجعي يتحرك بسرعة دنيا أو بسرعة تصل أو تقترب من السرعة القصوى التي هي سرعة الضوء(4)، فكان الزمن قد فقد ماهيته دون أن يرتبط بحركة، غير أن فلسفة العلوم تؤكد أن الحركة بذاتها متغيرة وفي ضوء تغيرها يتغير الزمن كذلك· وهو ما يناقض رؤيا (بركسون) عنه حيث ذهب إلى إن الواقع الحقيقي للزمن يكمن في الديمومة· أما اللحظة فليست إلا تجريداً لا واقع له···فاللحظة تقطيع خاطئ للزمن···فالديمومة تدرك في وحدتها التي لا تقبل الانقسام(5)·
بين ديمومة الزمن على وفق رؤيا (بركسون)، وعدّه عدماً لا يشارك في الوجود على وفق رؤيا (ارسطو)، تنوعت الآراء بين المنجذب إلى هذا والمفترق عنه· فكان (روبنل) من بين الأصوات التي تتناقض في رؤياها للزمن مع (بركسون) ولا تتفق في المقابل مع النظرية النسبية في فهمها له· حيث يعد (روبنل) الزمن يكمن في اللحظة، والديمومة تركيب لا واقع له···إن حقيقة الزمن تصبح إذن مركزة في الحاضر الذي يفهم الماضي انطلاقاً منه···(6)· وهو ما يتفق به مع باشلار الذي يذهب إلى أن ليس للزمان إلا واقع واحد هو اللحظة· فالزمان واقع محصور في اللحظة ومعلق بين عدمين· يستطيع الواقع دون شك أن يتجدد· ولكن عليه قبل ذلك أن يموت فهو لا يستطيع أن ينقل كينونته من لحظة إلى أخرى لكي يكون من ذلك ديمومته(7)· ذلك الرأي الذي يتفق معه (القديس اوغسطين) الذي قال فيما سبق أما أن اشرحه فلا أستطيع فهو في محل آخر يشرحه بظن الوضوح نافياً تقسيم الزمن إلى ماضِ وحاضر ومستقبل، بل يعد جزء واحد هو الحاضر، والصحيح أن يقال ثلاثة أقسام، حاضر لأشياء مضت، وحاضر لأشياء حاضرة، وحاضر لأشياء ستأتي(8)·
مما تقدم يتضح حجم الاضطراب في الرؤى الفلسفية التي حاولت معرفة ماهية الزمن، فهي بين أن تعده مطلقاً، وبين أن تربطه بالحركة، وبين أن تعده لحظة الحاضر حسب· وإن كنا أهملنا عن عمد التسلسل التاريخي لاعتقادنا أن سيادة أو شيوع مفهوم فلسفي معين، لا يمنع من وجود مفاهيم أخر على الضد منه في المدة نفسها، وكان هدفنا من ذلك بيان ذلك الاضطراب والتعارض في فهمه·