يتناول الباحث العراقي حسن كريم عاتي في كتابه هذا دراسة نقدية لرواية "سابع أيام الخلق" للكاتب عبد الخالق الركابي؛ وتعتبر هذه الدراسة قيمة جدًا على المستويين الكمي والنوعي، لهذا المنجز الروائي، لما يمتاز به من خصائص فنية على مستوى البناء والسرد، وكذلك لإستثم
أنت هنا
قراءة كتاب أثر الزمن في خلق البنية الدلالية في رواية سابع أيام الخلق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
أثر الزمن في خلق البنية الدلالية في رواية سابع أيام الخلق
الصفحة رقم: 4
فإذا كان الزمن في الخطاب الفلسفي يشوبه الاضطراب والتناقض؛ فإنه في الخطاب الأدبي يمتلك إمكانية أفضل على تجسيد تلك الرؤى· ومن ثم يكون التوظيف لهذا المفهوم، وإن خضع في الأصل للرؤيا الفلسفية لمنتج الخطاب، تحكمه عوامل مختلفة عن تلك التي تحكمه في الخطاب الفلسفي، حيث هناك بُعدان في كل عمل فني: اجتماعي (منطلق من الواقع المعاش)· وبُعد فردي (منطلق من خيال الفنان)···(9)، وإذا كانت قابليتنا للتخيل هي قابليتنا لنتذكر ما خبرناه مسبقاً ونطبقه على واقع مختلف(10)· فإن خيالنا نفسه يتحول إلى ضرب من ضروب التفاعل مع الزمن، أو أن الزمن يمثل جانبه الحيوي؛ لذا فإن الزمن في الخطاب الأدبي، وإن تنوعت الأساليب في استخدامه، لا يمكن إغفاله أو استبعاده من العوامل المؤثرة· فالخطاب الأدبي نفسه لا يمكن أن يمتلك فاعليته الحقيقية في التأثير إن لم يكن قد ارتبط بزمن، سواء أكان ذلك الزمن تاريخياً أم مفترضاً أم وهمياً أم نفسياً، ففي جميع الأحوال لا بد للخطاب الأدبي أن يرتبط بالزمن وإن كان على درجات متفاوتة في الظهور أو الفاعلية· ففي حين يمثل الزمن الإطار العام الذي تنمو فيه الأحداث، سواء في علاقاتها السببية، كما في (الحبكة) والتي تشكل لنا في النهاية شكل العمل الروائي، أم في علاقتها التعاقبية، كما في (القصة)، فإن تلك العلاقات يشكلها الزمن أولاً، ثم تكون لأدوات الفنان الخلاق قدرة تشكيلها بالطريقة التي يعدها مؤثرة في خلق قناعتنا أو تغييرها أو توكيدها· فإذا كان الأدب موجود في الزمن وخارجه معاً···(11) على وفق رأي (هوجارت)، غير أن الزمن لا يمكن على وفق هذه الرؤيا، أن يفهم أنه خارج الزمن حقيقة، بل في زمن غير قابل للتحديد، أو زمن يستغرق مدى أوسع يكاد يكون مستحيلاً(12)· وبهذا فلا يمكن تصور وجود أدب خارج الزمن بل لا يمكن أن يكون هناك نشاط يمكن أن نعيه ما لم نربطه بزمن، وإن تنوع بين زمن خارجي أو زمن داخلي، أو زمن واقعي، أو زمن متخيل، شأنه في ذلك شأن الخيال العصي على الإمساك، فالزمن على وفق رأي (ستايجر) يمثل: توقاً داخلياً وتوتراً، هو القاعدة الهامة التي تدعم تركيب العمل الفني(13) وتخلق أبعاده المراد عبرها نقل ما يود الخطاب الأدبي إيصاله إلى الآخر، في محاولة الإجابة عن سؤال، أو تحفيزاً لإثارة سؤال، فيكون بذلك الزمن وتبعاً لأساليب الاستثمار، متنوع التأثير كما هو متعدد الاستثمار·
ففي حين يشكل العنصر الأساسي في الأعمال السردية عموماً ومن بينها الأعمال الروائية، نظراً لوظيفته في (الحبكة) و(القصة) معاً، فإن الذاكرة في الأعمال الشعرية تشكل ملكة الشعر لأن الخيال نفسه يعد ترويضاً للذاكرة، والذاكرة نفسها تعد في جانبها الأساسي تفاعلاً مع الزمن· بل إن الخطاب الأدبي عموماً، حيث يمثل في جانب منه وضع المتلقي في موضع منتجه· فان ذلك يتطلب من المتلقي في المقابل أن يضع نفسه مكان البطل·· أن يوضع في زمنه(14)· وبذلك يكون الزمن، عنصراً، لكي يحقق كامل فاعلية الخطاب الأدبي، يجب أن يكون مشتركاً بين المتلقي والمنتج معاً للوصول إلى ذلك التأثير·
إن الزمن في الرواية يشكل الإطار العام الذي تنمو فيه الأحداث المعبرة عن تعارض أو اتفاق الآراء أو المصالح بين الشخصيات، حاملة تلك المفاهيم والمعبرة عنها، والتي تحاول إيصالها من خلال المتن الروائي أو الإحالة إلى خارجه، على وفق حيثيات توفرها الأحداث أو المناخ الروائي العام، فتكون بذلك الرواية من خلال خوضها غمار تجربة إنسانية تبتغي التأثير في قناعاتنا بالتوكيد أو المعارضة، وسيلتها في ذلك عناصر متعددة بتفاعلها يتأرجح المعنى وضوحاً أو غموضاً، توقاً يجسده النص أو إحباطاً يحاول أن يرتقي به حد التعاطف معه والمشاركة فيه، مكتفياً بنفسه أو بالإحالات إلى خارجه عبر القرائن التي ليست في العمل، ولكنها ضرورية لتحقيقه(15)·
إن تلك العناصر، بتفاعلها المبتغي تحقيق التأثير في الآخر، تعتمد الزمن عنصراً مشتركاً في معادلات التفاعل تلك، وحيث هناك عدة أزمنة تتعلق بفن القص، أزمنة خارج النص: زمن الكتابة وزمن القراءة· وأزمنة داخل النص: الفترة التاريخية التي تجري فيها الرواية، مدة الرواية· ترتيب الأحداث، وضع الراوي نفسه لوقوع الأحداث(16)؛ فإنها جميعاً تشكل ضروباً متنوعة على إيقاع الزمن عموماً، سواء وصفنا به ذلك الزمن بالخارجي تبعاً لزمن إنتاجه أم زمن تلقينا الخطاب، أم وصفناه بالداخلي، والذي يتعلق بزمن تشكله في ذهن منتجه أو وسائله التكنيكية التي استثمرها في تنويعه وإخراج ذلك التشكل من الذهن· غير أن زمن الكتابة لا يمكن عده خارجياً بمعنى الفصل التام بينه وبين الأزمنة الداخلية في العمل الروائي، زمن الكتابة يمثل زمن الوعي، كذلك زمن القراءة، وإن كان زمناً لاحقاً على زمن الكتابة الذي يشكل الأثر المعبر عن وعي زمن الكتابة عبر الأثر المنتج (الخطاب)، على وفق رؤيا يشكلها الزمن نفسه، فيكون بذلك الخطاب بافتراقه زمنياً عن زمن القراءة يشكل ماضياً قريباً أو بعيداً تبعاً لذلك الافتراق، فيتم تشكل الوعي بذلك الخطاب في ضوء الوعي بالواقع المعاش في زمن القراءة· حيث وقائع الماضي ذات معانِ مختلفة عندما تؤدي إلى إعادة ترتيبها، بصورة مختلفة ومحتومة، في نظام على ضوء القضايا المعاصرة··(17)·