أنت هنا

قراءة كتاب السلالم الرملية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السلالم الرملية

السلالم الرملية

"السلالم الرملية" رواية للشاعر والروائي سليم بركات، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2007؛ قسمها بركات الى عشرين فصلاً، عشرة منها معنونة بالعربية والعشرة الأخرى معنونة بالأجنبية، وكانه في مسعاه هذا يريد أن يزيد من الطلسمة والإلغاز، وإرباك القارئ

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
صفَّق الجمعُ الصغيرُ· امتلأتْ رئتا نواهين بالأنفاس العجولة للأرقام على لوح المواعيد المتدلِّي من قبة النفق· أضيئتْ حنجرتُه بالأرقام الضوئية موزَّعةً على حروف المصادفات· أُضيءَ لسانُه: لا تنظروا إلى ساعاتكم· أخي آبيريم لا يحمل ساعةً، قال· رفع يده متسائلاً: تعرفون أخي آبيريم· أليس كذلك؟ إنه يجمع البراهين في محطة سُوْدِرْمَالْمْ· يجمع لكم ما لن تستطيعوا غفراناً لأنفسكم على نسيانه: أملَ الأنبياء في العثور على نَفَق
 
صفَّق الجمعُ الصغير· صفَّق قلبُ نواهين: عقولٌ متَّحدةٌ، كثيرةٌ، تسترسل الآن، في تلفيق التتمات الناقصة· نظامُ التتمات الناقصة يوفِّر لنا الخروج من أزمة المُمْكن.
 
قاطعه الجمعُ الصغير، بالتصفيق·
 
لستُ حالماً، قال نواهين بنبرةِ اللسان المنتصر·
 
توالى التصفيق بلا انقطاع· انحنى نواهين ممتنَّاً: الخيبةُ عِلْمٌ؛ قانونٌ وقواعدُ، قال بصوتٍ ارتطم بشبكة الصخب· رفع يديه مهدِّئاً فلم تهدأ الأيدي·
 
انقلب التصفيقُ إيقاعاً· حَميَ الصوتُ الجارفُ حتى عرقتْ جبهة نواهين· فتح يديه وفمه متوسلاً برهةً يعيد بها سياقَ وجوده سيطرةً للسان على الأيدي·
 
تمادت الأيدي في التقاذف بكُرةِ التصفيق إلى كل اتجاه كطَلقاتٍ· نزفت جدرانُ النفق، وقبةُ سقفه، صدىً رطباً ثقيلاً زئبقاً·
 
تبلبل نواهين· أبدى استنكاراً بعينيه· جمع أصابعَه كُوزاً أمام الوجوه كي تتفضَّل عليه بمُهلة، فجوْبِهَ بعصفٍ صَخَبٍ أشدَّ·
 
تهدَّلت كتفا نواهين استسلاماً· انطبقتْ عليه مَحَاراتُ الحيرةِ التسعُ، فانطبقَ يقينُ خطابه الناقص· رفع صوتَه بنداء استغاثة بلا كلمات· سحق التصفيقُ صوتَه سحقاً؛ فتَّتَهُ؛ نثرَه جافَّاً قشوراً· سدَّ أذنيه بيديه· تكوَّم مقرفِصاً فوق المنصَّة الصغيرة، ذات المفاصل القابلة للنشر والطيِّ بيُسْرٍ· بلغتْ دغدغاتُ التصفيقِ الخشنةُ عظمَ قَحْفه، تحت فروة الرأس· صرَّتْ مخالبُ التصفيق إلى العظم· انحدرَ الصريرُ جليداً في نخاع فقراتِ ظهره القُطنية· تلوَّى نواهين· طوَّقَ بطنه بذراعيه كأنما يمنع أحشاءه أن تندلق· أطلق صرخة متواصلةً من حنجرته حتى انتفخت الأوردة من العنق حتى الجبين· اختنقت الحياةُ، من حوله، بنشيجٍ لا يُسمع· نهض واقفاً· خلع سترتَهُ ورمى الجمعَ بها· فتح الجمعُ ممرَّاً للسترة فسقطت على رصيف النفق·
 
اشتد التصفيق المتواصل·
 
خلع نواهين فردتَيْ حذائه، ورمى بهما الجمعَ· فتفادوهما· رماهم بسنين عمره الستِّ والثلاثين·
 
التهب التصفيق·
 
نزل نواهين عن منصَّته المفصلية الصغيرة· رفعها بيديه ورمى الجمعَ بها· حادَ الجمعُ عن المنصة الطائرة فلم تُصب أحداً·
 
صعد الدخانُ من الأكفِّ الهاذية بتصفيقها·
 
جثا نواهين على الأرض· ركعَ· ضربَ بجبهته الرصيفَ مراراً· نبيٌّ قادمٌ إلى عَشاء أبي يالُوْه، الليلةَ· سيراني منْهَكاً، أيها المذعورون
 
غطى صوتُ القطار القادم، مندفعاً بجناحين من موجٍ مياهٍ، على كل شيء·

الصفحات