رواية "رؤوس الحرية المكيّسة" للكاتب العراقي جاسم الرصيف، تتألق بحفر قيمة اللحظة الفاصلة، بين المواطنة الصحيحة للإنسان في بلد حر، والمواطنة المسلوبة في بلد محتل، ليضع على ف أدب المقاومة العربية نجمة إبداع كبيرة مستهلها الإهداء إلى من رفضوا وظيفة مسامير أحذية
أنت هنا
قراءة كتاب رؤوس الحرية المكيسة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
الثالولة
كما كف واسعة، منبسطة بسخاء، يميل سفح (وادي الحرامية) نحو مجرى مياه ألأمطار الموسمية، مفرّطا بتربة قبور الغرباء، التي إتسعت حتى (تل الهوى)، أيام الحصار الدولي، صعودا نحوالطرف الغربي للحي، الزاحف هو ألآخر، كما مخلوق ضخم بطئ الحركة، (جسده) من بيوت تلاصقت على جدران صفيح وخشب وطين مشفوعا ببعض قطع الكونكريت المستعملة سابقا في مكانات أخرى، و(نبضه) في أزقة متعرجة تعج بالاطفال والحيوانات السائبة والعجائز اللواتي إتخذن من أبواب البيوت مواقع لقاءات يومية يتأكدن عليها أنهن مازلن حيات وقادرات على الثرثرة ومراقبة المارة وممارسة هوايتهن في إغتياب ألآخرين·
وعلى حافة (تل الهوى)، الذي يستهل البر الغربي، أو يختتمه، عند الطرف النامي من (الثالولة) القريب من (مزبلة الشيطان)، حفر مقاتلو الحي خندق القتال، الذي بدا كما (فم ضفدع!!) يسخر من الذاهبين إلى، أو العائدين، من المدينة مع أخبار الحصار الدولي الذي سحق الجميع و(الحرب الجديدة) التي يثرثر عنها أكثر من ثلاثين رجلا، مع بنادقهم شبه الفارغة، بإمرة (ملا حمادي) الذي أعلن صراحة أنه (دائخ!!) بمسؤولية لم يسع إليها، ولم يتوقعها، ولكنه صار (عبدا مأمورا)·
وإسوة بمدن العالم الكبرى، إتخذت (الثالولة) قرارا بنصب رأس برج لكهرباء الضغط العالي، تركته عصابة (عواليس) سرقته من الحكومة، ولم تعد إليه لسبب ما، ذات ليلة، فإستقر الرأي أن تستخدمه (الثالولة) برجا لآذانات الصلاة، بعد تطوير الجدران الهزيلة المخصصة لغسل الموتى منذ سنين، لذا تفنن (ألأعرج البدراني) في لملمة قطع الصفيح والخشب والكونكريت وألأسلاك المعدنية على جبلة كبيرة من الطين حوّلت (حرام العواليس) إلى مصلّى عند الحاجة، مما أسعد ألأطفال بمعلم جديد يعبثون حوله يوميا·
ولما كان (برج الثالولة)، أو (مئذنة الضغط العالي)، كما يحلو لبعض المازحين تسميتها، قد نصبت حسب توفر الفراغات في الحي إلى جوار بيت (العضباء)، (زوجة الشهيد)، فقد صار (ملا حمادي) من أصدقاء العائلة، يتبادل الثرثرة عن (الحال وألأحوال) معها كلما إنتهى من أداء آذان للصلاة هناك، عبر مكبرة للصوت تعمل بالبطارية، ولم يكن يكتم إعجابه بفكرة تحويل حاوية ماء ضخمة، (تانكر)، الى بيت سكني لافت للنظر ساهم (البدراني) في إعادة هندسته ببراعة مشهودة، وكانت هذه تنتفخ فخرا كلما وصف (الملا) الفكرة التي خطرت في ذهنها وهي تبحث عن سكن لبنتيها وولدها الوحيد (بالعبقرية)·
وذات يوم تجرأت، بعد تردد طال، أن تطلب منه قرضا لتشتري عربة حمل لوحيدها (زمن)، الذي قررت منعه من الذهاب الى المدرسة بعدما تدهورت قيمة الراتب التقاعدي، الذي كانت تقبضه عن زوجها الذي إستشهد قبل يومين من توقف الحرب مع أيران، فقال لها آسفا على قرارها: لاحول ولاقوة الابالله!!·
ثم سكت قليلا قبل أن يقول لها وهو يتنهد هازا رأسه الهزيل: أبشري بالخير يا (أم زمن)!!·
فسوّرته بكل ماخطر في بالها من دعاءات·